أمرٌ طيب أن تستضيف بلادنا مؤتمراً دولياً عن الاتجار بالبشر, وأن يستضيف المؤتمر هذا العدد المهم من الشخصيات ذات العلاقة بالموضوع. هو أمر طيب لأن المؤتمر, بالموضوع الذي يُعالجه, حدث مهم يضع البحرين في موقع الدول التي تتصدى لمعالجة قضايا كبرى ينشغل بها عالم اليوم, الذي يطرح على أجنداته مثل هذه المسائل التي تتصل بحقوق الإنسان وكرامته. والاتجار بالبشر, كما دلت على ذلك أيضاً مداولات المؤتمر الذي اختتم أعماله منذ يومين, موضوع معقد له أوجه عدة, مع أنها, من حيث الجوهر, تنطلق من قاعدة واحدة هي أهمية صون الكرامة الإنسانية, وحماية إنسانية الإنسان من الانتهاكات المختلفة, التي تجعل من البشر مادة للاستغلال والاضطهاد والتمييز بسبب العرق واللون والجنس والدين, وما إلى ذلك من صنوف التمييز.
كافحت البشرية طويلاً لمحاربة تجارة العبيد, وإنهاء عار الرق الذي أدمى كرامة الإنسان, وأظهر صنوفاً من البشاعة في طريقة تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان, واستطاعت بعض المجتمعات التي أسست «حضارة» عمادها القوة والجبروت على الآم البشر وأجسادهم, أن تجعل من مواطنيها موضوع الاستغلال جزءا من نسيجها الإنساني على أسس من التكافؤ, كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً, مما أثرى التعددية الثقافية والروحية. وتوج هذا المعراج الطويل الذي كان عبارة عن مخاض من الألم بأن تمكنت أمريكا من الدفع برجل ملون إلى موقع رئاسة البلاد, في ما يشبه المصالحة مع التاريخ, والتأسيس لواقع حضاري وإنساني جديد يعزز فكرة المواطنة المتكافئة, التي جعلت من أوباما ملهماً لملايين الأمريكيين من البيض والسود على حدٍ سواء.
لكن عار الاتجار بالبشر ما زال مستمراً بصور شتى في أنحاء العالم, وليس بوسع مجتمعاتنا الخليجية أن تتصرف كأن الموضوع لا يعنيها, فذلك لا يجوز لا من وجهة النظر السياسية, ولا حتى الأخلاقية, حين نتأمل في واقع اعتمادنا المفرط على العمالة الأجنبية, ليس فقط في المجال التنموي والاقتصادي, وإنما أيضاً في تدبر أمورنا المنزلية, وحتى في تربية أطفالنا.
الخليج اليوم تحت دائرة الضوء في هذا المجال. هناك منظمات دولية مرموقة ذات صلة بحقوق الإنسان وبحقوق العمالة المهاجرة تراقب بعيون يقظة أحوال مجتمعاتنا من هذه الزاوية بالذات. كما أن تفشي النمط الاستهلاكي للمعيشة, ومغريات السيولة المالية المتاحة في هذه المجتمعات باتت تشجع تجارة الرقيق الأبيض, الذي هو بدوره عار آخر في عالم اليوم, حين تقوم شبكات من المافيا المنظمة باستغلال الصعوبات المالية والمعيشية في بعض المجتمعات للدفع بفتياتها, بمن فيهن القاصرات في حالات معينة, إلى عالم الرذيلة التي تبحث لنفسها عن أسواق تتوفر فيها الأموال, وتخنقها أشكال الكبت الكثيرة.
أمر يحسب لصالح البحرين أن تستضيف مؤتمراً بهذه الأهمية تحت رعاية رسمية عالية المستوى ممثلة في قرينة عاهل البلاد, وسيحسب للبحرين أكثر لو أن مداولات هذا المؤتمر وقراراته شكلت محفزات ودوافع لتطوير التشريعات الوطنية ذات العلاقة بموضوع المؤتمر, وإذا أعطت البحرين مثالاً يُقتدى في التغلب على كافة المنافذ, المعلنة وغير المعلنة, التي عبرها تنشأ ظواهر المس بالكرامة الإنسانية في كافة أوجهها.
الأيام 5 مارس 2009