لو افترضنا جدلاً أن علاوة الغلاء صدقة – وهي أبعد ما تكون عن ذلك – فقد خسرت الحكومة أجرها بهتكها لآداب الصدقة التي تقضي بعدم تباعها بمنّ ولا أذى.. فعلاوة الغلاء كانت – ومازالت وما برحت وما فتئت – مبعث ذلٍّ وأذى لمشاعر المواطنين.. بدءاً بتأخيرها 3 اشهر بعد إقرارها من لدن سمو رئيس الوزراء.. مروراً بمطالبة الناس بالتسجيل لها علانيةً في مراكز مصطحبين معهم ‘’بقشة’’ أوراق ومستندات تثبت عوزهم ‘’مع أن المعلومات المطلوبة كلها موجودة في أجهزة الحكومة الإلكترونية التي أنفقت لعيونها الملايين’’.. وصولاً لنشر أسماء مستحقي العلاوة وأرقامهم الشخصية على الملأ، وما تلا ذلك من إجراءات مهينة: كمطالبة بعض من صرفت لهم علاوة الغلاء بإعادتها لسبب أو لآخر.. وفتح باب التظلم في مكان واحد ولفترة صباحية واحدة وليومين يتيمين في محاولة لتفويت فرصة التظلم على البعض.. وتنفير الناس ما أمكن من التظلم!!
الضجة التي طوقت المعونة منذ إقرارها مازالت مدوية لليوم، دخلت مؤخراً مرحلة جديدة انخرط النواب فيها بصراع مع الحكومة لتمديد العلاوة عاماً آخر فيما تصر الحكومة ممثلة في وزارة المالية على أن الغرض من المعونة قد انتفى بانحسار موجة الأسعار وانخفاضها!!
والله؟! انخفضت الأسعار؟ متى؟! ولم لم يخبرنا احد بذلك؟!
من الواضح أن الأسعار انخفضت في خيال الوزارات المعنية فقط لأننا – كمواطنين – لم نشعر بهذا الانخفاض بعد!!
مقابل كل ذلك رأينا كيف أفاضت دول الخليج على شعوبها بعلاوات وزيادات عدة في العامين الماضيين – بكل انسيابية وهدوء – تزامناً مع موجة الغلاء من جهة ولإشراك شعوبها في عوائد الوفورات والفوائض النفطية – التي بلغت في دولة كالبحرين حتى نهاية كما يتردد العام 2008 نحو 1,63 مليار دينار (الرقم المعلن فقط).. بل ورأينا كيف فزعت الدول الصناعية لإنقاذ أسواقها عبر ضخ المليارات لتخفيف صدمة الأزمة المالية رغم إيمانها المطلق – كدول – بقيم الرأسمالية الرافضة لكل أشكال تدخلات الدولة في إدارة السوق لنفسه – ورغم ذلك – لم تكن تلك الدول لتقف متفرجة على معاناة شعوبها وهي تملك ما تستطيع به فك خناق تلك المعاناة!!
في الأسابيع الماضية مرت العلاوة بمخاض عسير جعلها حديث الناس.. فأولاً فوجئ الناس بتصريحات عالية المستوى وصفت العلاوة بأنها ‘’نوع من الترف’’.. فلما اتحدت الكتل وأجمعت على عدم تمرير الميزانية ما لم يتم تضمينها علاوة الغلاء، جربت الحكومة مقاربة أخرى تقضي بمطالبة النواب بتمرير الميزانية مقابل وعد من الحكومة بـ’’ دراسة أمر المعونة’’ وحسناً فعل النواب حين فطنوا للأمر ورفضوا العرض؛ فلقتل أي قضية في البحرين كل ما تحتاجه هو تمييعها و’’دراستها’’.. وسيتكفل الزمن، وذاكرة الناس ونفسهم القصير، بالباقي!!
تصلُّب النواب في موقفهم دفع الحكومة إلى تقديم عرض ولا أغرب وأعجب.. ينص على مقايضة تمرير الميزانية بصرف معونة الغلاء للأسر التي يقل دخل الأسرة فيها عن 700 دينار (الزوج والزوجة معا) بواقع 50 دينارا للأسرة وتقليصها إلى 25 ديناراً بالنسبة للأسر التي تسكن في منازل مشتركة مع الأهل (باعتبار أن هؤلاء اقل عوزاً من سواهم!!) هذا طبعاً إن كان لديهم أبناء.. أما من لم ينعم الله عليه بالذرية الصالحة، فالحكومة لن تنعم عليه بالعلاوة (الصالحة).. وهو ما رفضه النواب بالطبع، ولا نعرف أساساً كيف تجرأت الحكومة على تقديم عرض ‘’يفشل’’ كهذا!!
ومازال مسلسل (تسول المعونة) مستمراً حتى إشعار آخر!!
الوقت 3 مارس 2009