هناك طرفة سياسية تروى عن اجتماع ثنائي ضم الرئيس الأميركي السابق بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني السابق بلير أعقباه بعقد مؤتمر صحافي سئلا فيه عما اتفقا عليه في اجتماعهما فأجاب بلير: لقد اتفقنا على قتل مئة ألف عربي وطبيب أسنان واحد(!) … وهنا انهالت أسئلة الصحافيين اللحوحة على الرئيسين: ولماذا تقتلان طبيب أسنان واحداً؟… فالتفت بلير نحو بوش وقال له: ألم أخبرك خلال اجتماعنا أنّهم لن يهتموا بقتل الـ«مئة ألف عربي»؟!
استحضرت هذه الطرفة للإجابة على كثيرين ممن اهتموا بالاستفسار عن اسم مستشار السوء المقصود في مقالي يوم الخميس المعنون «مستشار السوء… وتجربة البحرين»، حيث كان التركيز منصباً على معرفة اسم مستشار السوء وليس حول نصيحته المسمومة!
وأضيف أنه مع الأسف فإن هناك جزءاً آخر مكملاً لنصيحة مستشار السوء حول الاقتداء بتجربة البحرين خلال الأعوام من 1975 حتى 2001 كمثال على إمكانية فرض حالة العمل خارج إطار الدستور فترة طويلة من الوقت من دون حدوث أي مشكلات إلا أنني أوضحت كلفتها الباهظة على استقرار البحرين وأمنها الداخلي المتمثلة في سقوط أكثر من ثمانين شهيداً بحرينياً، واعتقال الآلاف من المواطنين، وتعرض نحو 7000 منهم للتعذيب وإبعاد ونفي نحو 600 مواطن بحريني في التحركات الشعبية المطالبة بعودة الدستور وإلغاء قانون أمن الدولة وما رافقها من اضطرابات وقلاقل وقمع بوليسي إلى أن قيض اللّه للبحرين عاهلها الشاب الملك الحالي حمد بن عيسى الذي خفف حالة الاحتقان السياسي وأطلق عملية مصالحة وطنية… هذا كان الجزء الأول من النصيحة المسمومة التي اقترح مستشار السوء اتباعها في الكويت وتعليقي عليها!
أما الجزء الآخر المكمل من النصيحة المسمومة المقترحة من مستشار السوء للاقتداء بتجربة البحرين فتتصل بإجراء استفتاء لتنقيح دستور 1962، على النحو الذي جرى فيه استفتاء البحرين في العام 2001 حول «ميثاق العمل الوطني» وتنقيح دستور 1973.
ومرة أخرى يتجاهل مستشار السوء في نصيحته هذه الفوارق الواسعة بين تجربة البحرين والوضع في الكويت… فالاستفتاء الذي جرى في البحرين في العام 2001 كان جزءاً من مبادرة الملك حمد للمصالحة الوطنية، وذلك بعد فترة زمنية طويلة امتدت لأكثر من ربع قرن جرى خلالها تعطيل العمل بدستور 1973 ووقف الحياة البرلمانية الوليدة، حيث لم يتجاوز عمر الدستور البحريني والمجلس الوطني المنتخب السنتين فقط… وهذا ما لا ينطبق على حال الكويت، فدستورنا معمول به منذ العام 1962 وقد أصبح خطاً أحمر في ضمائر الكويتيين، كما أن حياتنا البرلمانية قائمة منذ أكثر من سبعة وأربعين عاماً، أما المحاولتان البائستان للانقلاب على الدستور وتعطيله وتنقيحه وإلغاء الحياة البرلمانية في العامين 1976 و1986 فقد فشلتا فشلاً ذريعاً، ومن الحكمة عدم الإقدام على مغامرة تكرارهما!
وغير هذا، فإن أداة الاستفتاء أداة غير دستورية، ولا يمكن أن تتم إلا في إطار انقلاب جديد آخر على الدستور… وللعلم فقد سبق أن جرت مثل هذه المحاولة لإجراء استفتاء، ووردت في الأمر الأميري بحل مجلس الأمة وتنقيح الدستور في العام 1976، ولكنها جوبهت بالرفض التام، بحيث عارضها حتى أعضاء لجنة النظر في تنقيح الدستور أنفسهم، على الرغم من أنها كانت لجنة معينة حكومياً وغير منتخبة، واشترطوا للموافقة على المشاركة في تلك اللجنة عدم إيراد نص في مرسوم تشكيلها يشير إلى عرض نتائج أعمالها ومشروع تنقيح الدستور على استفتاء عام… ولا حاجة بعد هذا للخوض في تفاصيل وجزئيات تتصل بالمقاطعة الشعبية المؤكدة للاستفتاء غير الدستوري ومساوئ محاولات تمريره عبر تزوير نتائجه تكراراً للتجربة البائسة بتزوير انتخابات 1967، وغير ذلك من تعقيدات سياسية ومشكلات عملية يطول شرحها!
أخيراً، هذه نصيحة مني لمستشار السوء إذا كان مصراً على تقديم نصائحه المسمومة… فمن واجبه على أقل تقدير ألا يخدع من ينصحهم وأن يطلعهم على حقائق الأمور وعلى المصاعب والتعقيدات التي جابهت التجارب الخارجية التي يدعو إلى الاقتداء بها ليكونوا على بينة من أمرهم!
هناك طرفة سياسية تروى عن اجتماع ثنائي ضم الرئيس الأميركي السابق بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني السابق بلير أعقباه بعقد مؤتمر صحافي سئلا فيه عما اتفقا عليه في اجتماعهما فأجاب بلير: لقد اتفقنا على قتل مئة ألف عربي وطبيب أسنان واحد(!) … وهنا انهالت أسئلة الصحافيين اللحوحة على الرئيسين: ولماذا تقتلان طبيب أسنان واحداً؟… فالتفت بلير نحو بوش وقال له: ألم أخبرك خلال اجتماعنا أنّهم لن يهتموا بقتل الـ«مئة ألف عربي»؟!
استحضرت هذه الطرفة للإجابة على كثيرين ممن اهتموا بالاستفسار عن اسم مستشار السوء المقصود في مقالي يوم الخميس المعنون «مستشار السوء… وتجربة البحرين»، حيث كان التركيز منصباً على معرفة اسم مستشار السوء وليس حول نصيحته المسمومة!
وأضيف أنه مع الأسف فإن هناك جزءاً آخر مكملاً لنصيحة مستشار السوء حول الاقتداء بتجربة البحرين خلال الأعوام من 1975 حتى 2001 كمثال على إمكانية فرض حالة العمل خارج إطار الدستور فترة طويلة من الوقت من دون حدوث أي مشكلات إلا أنني أوضحت كلفتها الباهظة على استقرار البحرين وأمنها الداخلي المتمثلة في سقوط أكثر من ثمانين شهيداً بحرينياً، واعتقال الآلاف من المواطنين، وتعرض نحو 7000 منهم للتعذيب وإبعاد ونفي نحو 600 مواطن بحريني في التحركات الشعبية المطالبة بعودة الدستور وإلغاء قانون أمن الدولة وما رافقها من اضطرابات وقلاقل وقمع بوليسي إلى أن قيض اللّه للبحرين عاهلها الشاب الملك الحالي حمد بن عيسى الذي خفف حالة الاحتقان السياسي وأطلق عملية مصالحة وطنية… هذا كان الجزء الأول من النصيحة المسمومة التي اقترح مستشار السوء اتباعها في الكويت وتعليقي عليها!
أما الجزء الآخر المكمل من النصيحة المسمومة المقترحة من مستشار السوء للاقتداء بتجربة البحرين فتتصل بإجراء استفتاء لتنقيح دستور 1962، على النحو الذي جرى فيه استفتاء البحرين في العام 2001 حول «ميثاق العمل الوطني» وتنقيح دستور 1973.
ومرة أخرى يتجاهل مستشار السوء في نصيحته هذه الفوارق الواسعة بين تجربة البحرين والوضع في الكويت… فالاستفتاء الذي جرى في البحرين في العام 2001 كان جزءاً من مبادرة الملك حمد للمصالحة الوطنية، وذلك بعد فترة زمنية طويلة امتدت لأكثر من ربع قرن جرى خلالها تعطيل العمل بدستور 1973 ووقف الحياة البرلمانية الوليدة، حيث لم يتجاوز عمر الدستور البحريني والمجلس الوطني المنتخب السنتين فقط… وهذا ما لا ينطبق على حال الكويت، فدستورنا معمول به منذ العام 1962 وقد أصبح خطاً أحمر في ضمائر الكويتيين، كما أن حياتنا البرلمانية قائمة منذ أكثر من سبعة وأربعين عاماً، أما المحاولتان البائستان للانقلاب على الدستور وتعطيله وتنقيحه وإلغاء الحياة البرلمانية في العامين 1976 و1986 فقد فشلتا فشلاً ذريعاً، ومن الحكمة عدم الإقدام على مغامرة تكرارهما!
وغير هذا، فإن أداة الاستفتاء أداة غير دستورية، ولا يمكن أن تتم إلا في إطار انقلاب جديد آخر على الدستور… وللعلم فقد سبق أن جرت مثل هذه المحاولة لإجراء استفتاء، ووردت في الأمر الأميري بحل مجلس الأمة وتنقيح الدستور في العام 1976، ولكنها جوبهت بالرفض التام، بحيث عارضها حتى أعضاء لجنة النظر في تنقيح الدستور أنفسهم، على الرغم من أنها كانت لجنة معينة حكومياً وغير منتخبة، واشترطوا للموافقة على المشاركة في تلك اللجنة عدم إيراد نص في مرسوم تشكيلها يشير إلى عرض نتائج أعمالها ومشروع تنقيح الدستور على استفتاء عام… ولا حاجة بعد هذا للخوض في تفاصيل وجزئيات تتصل بالمقاطعة الشعبية المؤكدة للاستفتاء غير الدستوري ومساوئ محاولات تمريره عبر تزوير نتائجه تكراراً للتجربة البائسة بتزوير انتخابات 1967، وغير ذلك من تعقيدات سياسية ومشكلات عملية يطول شرحها!
أخيراً، هذه نصيحة مني لمستشار السوء إذا كان مصراً على تقديم نصائحه المسمومة… فمن واجبه على أقل تقدير ألا يخدع من ينصحهم وأن يطلعهم على حقائق الأمور وعلى المصاعب والتعقيدات التي جابهت التجارب الخارجية التي يدعو إلى الاقتداء بها ليكونوا على بينة من أمرهم!
جريدة عالم اليوم
3 فبراير 2009