مبادرة المنبر التقدمي التي أعلن عنها منذ أيام قليلة مضت تشكل رؤية عقلانية تعزز أهمية الحوار الوطني بين الدولة والقوى السياسية في البلاد. ولا شك إن هذه المبادرة دعوة مسؤولة لإزالة الاحتقان ونزعات الصدام والعنف أيا كان مصدره ورواسب ما قبل الإصلاح التي هي في الواقع لا تزال تعرقل المشروع الإصلاحي وبناء مستقبل هذه البلاد على أسس وطنية ديمقراطية وفقاً لما جاء به ميثاق العمل الوطني أهم المكتسبات الوطنية في تاريخ البحرين السياسي الحديث.
ولا شك أيضا أن أهم الضمانات لنجاح هذه المبادرة الوطنية التي تتناغم مع جوهر الميثاق الوطني مرجعية أي حوار كما يقول حسن مدن الأمين العام للمنبر التقدمي هو التفاف الدولة والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة حول هذه الرؤية العقلانية التي تدعو إلى الثقة المتبادلة والى التزامات على القوى السياسية والدولة.
ولو تأملنا أبعاد هذه المبادرة لتبيّنا بعدين أساسيين الأول كما تنص عليه هذه الدعوة: تكريس أساليب العمل الديمقراطي السلمي ورفض أعمال التخريب والحرق والمساس بالممتلكات العامة والخاصة واحترام النظام السياسي في البلاد واحترام هيبة الدولة ورموزها والبعد عن الإساءة إليها ونبذ كافة الممارسات العنيفة من قبل جميع الأطراف وتوظيف ما تيسره الأدوات القانونية المتاحة في العمل من اجل الإصلاح والبناء الديمقراطي والتصدي للتراجعات السياسية وإرساء مبادئ دولة القانون باعتماد الوسائل الشرعية في العمل السياسي؛ لان هذه الوسائل تحققت نتيجة تضحيات كبيرة قدمتها أجيال من المناضلين لا يجوز التفريط فيها وتقديم الذرائع للتراجع عنها، ووقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين على أساس انتمائهم المذهبي وتجريم كافة أشكال التسعير المذهبي الطائفي من أي جهة كانت ومعاقبة من يروج هذه الخطابات وإغلاق الملفات الأمنية والمطالبة بمزيد من الحريات لترتقي للمعايير الدولية وإطلاق سراح المعتقلين والموقوفين وعلى الجانب الاقتصادي تكريس الشفافية وإيجاد بدائل ناجعة لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني والتعاطي بمسؤولية وطنية تجاه الأزمة المالية العالمية التي بدأت مؤشراتها واضحة على صعيد التسريحات العمالية وأمام التحديات الداخلية لا بد من خلق المزيد من فرص العمل وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في ظل بيئة اقتصادية استثمارية جاذبة تدعمها الحوافز وتتقلص معها مؤشرات الفساد الإداري والمالي ودعم مشاريع التنمية التي تحتاج إلى موازنة طموحة لمعالجة مجمل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
أما البعد الثاني
فيتمثل في مطالبة القوى الخيرة العاقلة الحريصة على مستقبل الوطن أن تتحرك لوقف مخاطر الفتنة الطائفية والمذهبية التي تجد تجلياتها في المنابر الدينية وأجهزة الإعلام وفي بيانات يجري الترويج لها وفي خطب وانفلات الطارئين على السياسة الذين يبحثون على المسرح السياسي عن بطولات سياسية تعكس أهداف ومصالح قوى الظلام وفي هذا الإطار تدعو المبادرة إلى رص صفوف التيار الديمقراطي لكونه الإطار الوحيد في المجتمع الذي يتخطى الانقسامات المذهبية وعلى عاتق هذا التيار يقع اليوم عبء تقديم البرنامج الوطني الديمقراطي الجامع لكل مكونات المجتمع كبديل لكافة أشكال التفتيت الطائفي والاستقطاب المذهبي وفضلا عن هذا ساندت المبادرة قانون أحكام الأسرة الذي يخضع ألان لمناورات سياسية بين الدولة وبين كتل الإسلام السياسي في مجلس النواب والمجتمع ويخضع أيضا لشروط المرجعيات الدينية التي هي في الواقع لا تستجيب لحقوق المرأة وفقا للدستور والشريعة الإسلامية. خلاصة الأمر إن هذه المبادرة العقلانية النقدية التي تتجه برؤيتها الوطنية الشاملة إلى إطلاق الحوار الوطني المسؤول لحلحة الملفات العالقة مبادرة تهدف وبفعالية إلى وطن تسوده الانجازات والتحولات والاستقرار والأمن.. وطن مرتكزاته الأساسية ميثاق العمل الوطني في ظل المشروع الإصلاحي الذي قاده عاهل البلاد وبالتالي فالاستجابة لها من قبل جميع الأطراف بما فيها الحكومة حاجة ضرورية للخروج من الأزمة السياسية .. فهل تستجيب هذه الأطراف هذا ما نأمله.
الأيام 28 فبراير 2009