مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي من أجل حلحلة الأوضاع السياسية ومكافحة الشرذمة والتشظي والخصومة والانقسامات، بحسب ما تعالج الملفات الساخنة.. هي مبادرة وطنية لها المكانة الكبيرة في قلوب وعقول الشعب البحريني.. بقدر ما تظل مبادرة تاريخية ستبقى مدونة في صفحات التاريخ الوثائقية، لما حملت في ماهيتها أهدافا وطنية ومبدئية، ومثلا وقيما أخلاقية، مفصلية بانعطافاتها التاريخية، لتهيئة الأجواء العامة والظروف الموضوعية والذاتية، ما بين مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها السلطة التشريعية من جهة.. وما بين السلطة التنفيذية والمعارضة السياسية من جهة أخرى.
ولعل تأكيد الأمين العام للمنبر التقدمي (د. حسن مدن) تشكيل لجنة مصغرة تضم الوطنيين الأكفاء والمخلصين من أجل تفعيل مبادرة المنبر التقدمي في تفعيل اللقاءات وتحريك الحوارات، وتنشيط التفاهمات، هو تصميم المنبر على عقد العزم على مواصلة الشروع الحثيث بهذا المشروع الوطني الرائد والمهم.
وتأتي المواقف الداعمة للجمعيات السياسية المستنيرة، والشخصيات والرموز الوطنية لمبادرة المنبر الوطنية.. لتعزز هذه المبادرة في أرضية الواقع المجتمعي الملموس، وعلى رأس هذه الشخصيات، رئيس تحرير صحيفة الوسط الدكتور منصور الجمري، الذي استرسل قائلا: “نحن نسجل احترامنا وتقديرنا لجمعية المنبر التقدمي إذ عبرت بروح وطنية عن هذه المبادرة، وتقديرا من الوسط لهذه العقلانية في الطرح من قبل الجمعية، ارتأينا التعامل والتحدث بهدوء بشأن الآلية التي يمكن إنشاؤها لمناصرة هذه المبادرة”.
ويبقى القول صحيحا في هذا الإطار، هو حينما جاءت مبادرة “هيئة الاتحاد الوطني” في عقد الخمسينيات مفخرة للشعب البحريني، من أجل الوحدة الوطنية ومكافحة ودحر الطائفية.. فإن مبادرة المنبر التقدمي قد تجاوزت مغازي مبادرة هيئة الاتحاد الوطني، لكونها أكثر نضجا سياسيا، وأعمق تطورا اجتماعيا، وأرسخ فكرا أيديولوجيا، وأشمل أبعادا تاريخيا.. ذلك فيما يتعلق برص صفوف الشعب وتماسك لحمته بوحدته الوطنية، لتمتد أهداف هذه المبادرة فتشمل تكوين مؤسسات المجتمع المدني وبناء الدولة الحديثة.. وطالما مبادرة المنبر التقدمي قد جسدت المسئولية الوطنية الكبرى المركبة والمضاعفة التي تحمل بين ثناياها وجوهرها مشروع المصالحة، ومفاهيم اللقاء، وآلية الحوار، وتداعيات الاختلاف، ومعايير التفاهمات ما بين السلطة التنفيذية والمعارضة السياسية، وما بين الدولة والشعب، مقرونة تلك المصالحة الوطنية بتقبل كلمة النقد الايجابية والبناءة، ومرهونة بمفاهيم التسامح ومبدأ الثقة، ومفاهيم احترام الرأي الآخر، بروح معنوية عالية وبشعور من المسئولية التاريخية في الاعتراف بمواطن الخلل والخطأ، ومواطن الثغرات والنواقص، حقائق وتداعيات جميعها تعلن على طاولة المفاوضات والحوارات من قبل مختلف الفرقاء: الجهات الرسمية والجهات الشعبية بأفكار حضارية تكمل أفكار الطرف الآخر، وآراء ديمقراطية داعمة لآراء الطرف الآخر.. بخطاب سياسي عقلاني يسد الفجوة ما بين البنى التحتية والبنى الفوقية، تنصهر مفاهيمه في بوتقة الرأيين الشعبي والرسمي، وفي قالب مطالب وأهداف الشعب.
ليس هذا فحسب ولكن من أجل القضاء على تخلف المراوحة والجمود والتراجعات والتقهقر للوراء، ووقف تداعيات العنف والعنف المضاد، ومحاربة النعرات الطائفية والمذهبية، ومكافحة الفساد ومظاهر الواسطة والمحسوبية والانتهازية والتسلقية والوصولية.. وتحريك المياه الراكدة من أجل حلحلة الأوضاع السياسية خطوة نحو الأمام.. بقدر النهوض بالتجربة الديمقراطية برفع أسقفها وتوسيع مساحاتها، بما يتماشى ومطالب وأحلام الشعب البحريني، وبما ينسجم وتضحيات المعارضة الوطنية طوال عقود من الزمان.. وبحسب ما تهدف مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي إلى حلحلة الملفات الساخنة والرازحة في أدراج الحكومة من جهة وأدراج البرلمان من جهة أخرى، الذي هو الآخر يئن بدوره من مظاهر الجمود والمراوحة والاصطفافات الطائفية بخطاب نواب تيار الإسلام السياسي، ليظل في حاجة إلى رجة قوية وصدمات كهربائية شديدة تؤدي إلى تغيير تركيبته وتشكيلته نحو الأفضل خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فان السلطة التنفيذية مطالبة بإعادة النظر في القوانين الأمنية بمراجعتها وتعديلها نحو الدمقرطة والتحديث، وفي مقدمتها قانون التجمعات وقانون الصحافة وقانون الجمعيات السياسية، والمقيدة للحريات العامة والكلمة والتعبير والفكر والقلم.. ناهيك عن نواقص قانون العمل والإشكالات الدستورية.
وبهذا الصدد ومن هذا المنطلق فإننا نستشهد بالمقولة الشهيرة “لا أمن من دون ديمقراطية حقيقية، ولا ديمقراطية حقيقية من دون تنمية شاملة ومستدامة”.. ومثلما تظل السلطة التنفيذية مطالبة بتوفير الأجواء الملائمة بنزع فتيل المصادمات والمواجهات في الشارع البحريني وعلى أرضية الواقع المجتمعي الملموس.. فان قوى تيار الإسلام السياسي تظل هي الأخرى مطالبة بتهيئة المناخ الاجتماعي بعدم حفز العاطفة على حساب تغييب العقل وبعدم رجوعها إلى المرجعية الدينية في كل كبيرة وصغيرة وفي كل النشاطات والفعاليات السياسية.. ومطالبة بخروجها أيضا من شرنقة اصطفافات الانتماء ذي الطائفة الواحدة، وكذلك الاصطفافات الطائفية والمذهبية، كما هو حاصل تحت قبة البرلمان أو خارجه بشكل عام.
لعل ما يبعث على الفخر قولا في نهاية المطاف أن مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي الوطنية والتاريخية استوجب تفعيل مغازيها ودلالاتها ومن ثم إدخالها إلى حيز التنفيذ والتطبيق وفي دائرة الضوء.. وذلك في ضوء تكوين قنوات الحوار وبناء جسور التفاهمات على مناضد اللقاءات المشتركة والمناقشات المتفاعلة حسبما أسلفنا القول ما بين(السلطة التنفيذية والمعارضة السياسية) ممثلة في مؤسسات المجتمع المدني، من دون سياسة التجاهل والتهميش، أو سياسة الإقصاء والتصعيد وسياسة تهميش الحقوق ومصادرة الحريات العامة.
أخبار الخليج 27 فبراير 2009