المنشور

ملف العار الكبير (4) .. لم يكن رفضاً.. بل تبعية..

لازالت ذكرى التظاهرة الضخمة التي حشد لها سماحة الشيخ عيسى قاسم ضد قانون الأحوال الشخصية في 2005 حية في الذاكرة وكأنها وقعت بالأمس.. ربما لأن معارضي القانون يذكرون بها – وبالعريضة التي قيل أن 150 ألف شخص وقعوا عليها- دائماً للدلالة على ديمقراطية خيارهم.. ويُغيب هؤلاء – عمداً – حقيقة أن من وقع ومن شارك بالمسيرة لم يفعل ذلك انصياعاً لقناعة ذاتية ولا لرفض منطقي لبند من بنود القانون أو لأصل إقراره؛ فما حرك الناس هو حراك العلماء وحراك العلماء فقط؛ ولا أدل على ذلك من الشعار الذي رفع في المسيرة ‘معكم.. معكم.. يا علماء’ و ‘لبيك يا شيخ عيسى قاسم’!!
لا داعي للإنكار أو تزييف حقيقة نعيها جميعاً.. عندما يصدر علماء من الوزن الثقيل أمثال السيد جواد الوداعي والشيخ عيسي قاسم والشيخ عبدالحسين الستري والسيد عبدالله الغريفي والشيخ محمد صالح الربيعي بياناً يقولون فيه بخطورة وأقتبس ‘تحويل المادة المرجعية فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية من كونها أحكاما شرعية إلى قانون مقنن’ وعندما يلوح الشيخ عيسى قاسم بلبس الأكفان في حال تمرير قانون الأحوال الشخصية وعندما يصرح ‘لو لم يخرج أحد ليتظاهر ضد هذا القانون لخرجت أنا وحدي) فماذا نتوقع من الجماهير التي توقره وتوقر أولئك العلماء وتأتمر بأمرهم بلا رجع ولا فصال؟!
أنتوقع منهم ‘معاندة’ رغبة العلماء والمغامرة بإغضاب الله وولاة الأمر ومن أجل ماذا؟! من أجل قانون لا يمسهم ولا يقاسون ولا يسمعون عن ويلات غيابه إلا من خلال الصحافة المطعون في شرفها ونزاهتها والمتهمة بالتغريب والعلمانية من قبل كثير من ولاة الأمر!!
إن من وقع وسار في المسيرة ما فعل ذلك إلا مرضاةً للعلماء ولو غير هؤلاء العلماء موقفهم – اليوم- ومن دون أن يتغير في القانون بند واحد؛ فستسير ذات الجموع هاتفة للقانون..!! هؤلاء العلماء الذين نوقرهم ونجلهم ونعلم عنهم وطنيتهم وعدالتهم ولكن أيعني ذلك أنهم دائماً على حق..؟!
إن تغييب العقل النقدي والترهيب المستمر من مغبة مخالفة العلماء يجعل البعض يسارع بطرد هذه الفكرة بل ولعن قائلها ولكنها الحقيقة شئنا أم أبينا.. ليس هناك اليوم معصوم بيننا وكل المواقف تحتمل الصواب والخطأ.. وهؤلاء العلماء – رغم تبحرهم في الدين- إلا أن أحكامهم على المواقف تخضع للصور التي ينقلها المقربون عما يجري في ساحات التقاضي، ولو علم هؤلاء العلماء بفداحة ما يدور من رخص للأعراض وامتهان لحقوق وكرامة النساء والأطفال لقدموا المنافع على المضار.. ولو علموا بحقيقة ما تدفعه النساء – يومياً – جراء غياب القانون لكان لهم -على ما أظن وآمل- موقف مغاير تماماً..
يبقى أن علينا أن نذكر، لندحض حجة المسيرة التي يذكرنا بها النواب للأبد؛ بالطريقة التي عُبئت فيها الباصات بنساء وعجائز كثيرات منهن لم يعرفن سوى أن العلماء يأمرنهن بالتظاهر!! ولضمان مشاركة هؤلاء في المسيرة، لجأت بعض المنظمات لنشر إشاعات من قبيل القول إن القانون الذي سيسن سيبيح للمرأة بأكثر من زوج، وسيعطي المرأة الحق لتزويج وتطليق نفسها دون قيد أو شرط.. وسيحرم تعدد الزوجات، وأنه سيساوى بين المرأة والرجل في الإرث، وسيعارض الشرع المقدس في بنوده وأحكامه، وأقاويل كثيرة كنا هناك ولم نستطع وقف سيولها!!
تلك الإشاعات جعلت النساء يشاركن في هتك حقوقهن وفقع أعينهن بأيديهن.. ولأن كثيراً منهن لم يكن قد ذقن طعم الهوان في المحاكم، انسقن وراء هذه المطالبات، فلما دارت الدوائر ودخلوا المحاكم لطموا الخد على ما جنوه في حق أنفسهن وأبنائهن!! 
– يتبع..
 
صحيفة الوقت
25 فبراير 2009