ما سعى، ونجح، فيه خصوم الأحوال الشخصية لحد بعيد؛ هو تصوير الصراع الدائر حول القانون على أنه صراع بين الدينيين واللادينيين.. بين من يذود عن الشرع المقدس وبين من يحاول طمس الهوية الدينية وتذويب الخصوصية المذهبية.. وهي دفوع لا تبور أبداً؛ ووسيلة لم تخفق يوماً في سحب الحوار من جادة المنطق لهوجاء العاطفة وهلاميتها.. لذا تلاحظون المعارضين – ككل من ينشد تغييب العقل وتغليب العاطفة – يتحصنون في النقاشات بتوزيع انتقادات عامة من دون تأطير أوجه اعتراض ملموسة على القانون أو البرهنة على ‘معارضته للشرع’ بأمثلة من بنود القانون نفسه تثبت صحة الادعاءات!!
فكل ما يساق للتنفير من القانون تخمينات ورجم بالغيب.. وتخويف من أن البنود المستمدة قاطبة من الشرع – قد – تغير في المستقبل لأخرى لا تتوافق والشرع!! ولا ندري كيف لتلك الجماعات الإسلامية، التي امتلكت القوة لتعطيل القانون طوال هذه السنوات، أن تخشى استبداله ببنود وضعية في المستقبل.. فهل يفترض هؤلاء أننا سنصبح علمانيين في وقت لاحق من هذا القرن.. أم يتغافلون عن حقيقة أن المجتمعات الشرقية تتجه للأسلمة وليس العكس!!
علما أن كثيرا من أنصار القانون – ومحدثتكم منهم – يرفضون الصيغ المتعارضة مع الشرع لوجود إيمان راسخ بأن الإسلام أنصف المرأة وأن من خذلها هم بنو البشر؛ وبنو البشر فحسب!!
نقول: المعركة ليست بين حماة الدين وأعدائه.. فليسوا هم بالمسلمين ولسنا نحن – الدافعين باتجاه القانون – بهندوس ولا كاثوليك ولا بونيان.. نحن أيضاً مسلمون غيارى على الدين وليس لأحد كان أن ينزع عنا ذلك.. المعركة ببساطة معركة من يده في النار.. ومن يده في الماء.. معركة من يشعر بوطأة الوضع وإلحاحه.. مع من يعتقد بـ ‘عدم وجود حاجة ماسة لكي يكون هناك سد في التشريع’ كما ورد – نصاً – في تصريح الوفاق.. علما أن كثيراً من المتدينين – بل والمشايخ – يستشعرون إجحاف الموقف ولكنهم لا يجاهرون بمواقفهم خوفاً من تسقيطهم وتستخيفهم وطعنهم في دينهم/ أو خوفاً من أكلاف هذا الموقف.
إن الهاجس الأساسي الذي يعتمر في صدور المعارضين، والتي يوارونها في خطاباتهم وبياناتهم ولكنها تشّع بصيغ مختلفة، هو أن يؤدي تقييد سلطات القضاة اليوم لمطالبات مستقبلية بقضاة منفتحين عوضاً عن أولئك الذين ‘يعدون’ متشددين ومتصلبين. ليعقب ذلك المطالبة بمحاكم مدنية عوضاً عن الشرعية؛ ومن ثم المطالبة بقانون منفتح مدني عوضا عن الشرعي.. وكل تلك هواجس؛ ومنطق رجم بالغيب لو احتكمنا له في أمور حياتنا لما تقدمنا خطوة ولما اتخذنا قرارا!!
نستطيع أن نتهرب من المسؤولية وننحي باللائمة على القضاة.. ولكن الحقيقة أن القضاة ليسوا بملائكة ولا معصومين؛ وأغلبهم ليسوا بمجتهدين تركوا في بحر أجاج فأعمى ملح البحر أعينهم.. فكيف نلومهم إذا ما غلبتهم طبيعتهم البشرية وأغراهم وهج المال وضعف النساء ونحن نتركهم – هكذا – من دون دليل ولا رقابة ولا قيد ولا شرط ومن ثم نعجب لأمرهم إذا ما انحرفوا أو حادوا عن الصواب!!
أيمكن في الحياة إدارة مؤسسة من دون نظام؟ فما بالكم بساحات تقاضي، كل المغريات فيها موجودة وبلا ضوابط حاكمة!! أليس في ذلك تشجيع للقضاة على الفساد..؟!
عجبا من أمر من يطالب بسيادة القانون في كل شيء – ليل نهار – ثم يعود ويستكثره على النساء والأطفال!!
- يتبع..
صحيفة الوقت
24 فبراير 2009