المنشور

«تدوين» الشباب ومُدوناتهم

يُلفت النظر أن واحدةً من دور النشر المصرية المرموقة والرصينة, هي دار الشروق, اختطت تقليداً بإصدار ما يكتبهُ الشبان المصريون في مدوناتهم الاليكترونية في كتب, ضمن سلسلة عنونتها بـ»مدونة الشروق». وقد تصفحتُ بعض هذه الكتب, لا بل أني اقتنيتُ أحدها وقرأتهُ كاملاً, وهو بعنوان:»أرز باللبن لشخصين», لمؤلفته رحاب بسام. على غلاف الكتاب وجدتُ العبارة التالية: «الطبعة الرابعة», وفي هذا ما يشير إلى أن مدونات الشباب, وقد أصبحتْ كتباً تحظى بإقبال عليها, يُشابه أو يزيد على الإقبال الذي تحظى به المدونات ذاتها, وهي لما تزل بعد في حيزها الاليكتروني, قبل أن تتحول إلى نسخ ورقية. كما هو حال مدونات الشباب, فإنها تتضمن خليطاً,أو فلنقل مزيجاً, من الأفكار والتأملات والتعليقات على مشاهد من الحياة, أو على كُتب قُرأت, أو أفلام شُوهدت, أو حتى أغاني سُمعت. وتظل اللغة ونباهة الالتقاط هما معيار الموهبة التي تميز مدونة عن أخرى, فليس كل المدونيين على نفس الدرجة من هذين الأمرين. ستحار في أي جنس أدبي تضع ما تحتويه المدونات الذكية العائدة لشبان أو شابات موهوبين, كما هو حال صاحبة «أرز باللبن لشخصين». أهي خواطر شبان مرهفي الإحساس يعبرون عما تختلج به أرواحهم؟ , لا إنها أكثر من ذلك. أهي قصص قصيرة أو قصيرة جداً مستوحاةٌ من معايشة الواقع وما تهفو به النفس؟ لن أقول أنها أقل من ذلك أو أكثر, بل سأكتفي بالقول أنها مختلفة, كأن طبيعة المدونة اقتضت لغةً أخرى فيها من التكثيف وأحيانا السخرية اللاذعة, هي غيرها التي يمكن أن نجدها في القصة القصيرة, أو حتى القصيرة جداً. أهي مقالات موجزة, مكثفة, لا ليست كذلك تماماً, حتى وإن بدا بعضها قريباً من روح وحبكة المقال. أهي يوميات من يُدونها أو تدونها؟ لعلها أقرب إلى ذلك فعلاً, لكنها أيضاً ليست من ذاك النوع من اليوميات الذي يرصد «الحواديت» التي يعيشها كتاب المدونات, إذا ما أخذنا من الكتاب الذي نحن بصدده نموذجاً. أنا أميل للاعتقاد أن جنساً جديدا من التعبير تنشأ إرهاصاته الآن, عماده ما ينشر على المدونات, قد نطلق عليه اسم التدوين, انطلاقا من كون من يكتبونه صاروا يعرفون بـ» المدونيين», وقد نُطلق عليه اسما آخر. لننتظر ونرى. هذا الأمر حفزني أكثر على العناية بمدونات الشباب في البحرين, والتي وجدت في بعضها, على الأقل, ما هو جدير بالتوقف عندها مطولاًن للتعرف على طبيعة الانشغالات الشبابية اليوم, من موضوعاً تتراوح بين السياسة والثقافة والخواطر الوجدانية وما إلى ذلك. وقد تمنيت على الإعلامي والمسرحي حسين العريبي رئيس جمعية الشبيبة البحرينية لو أن الجمعية نظمت حلقة بحث حول مدونات الشبان والشابات البحرينيين لتناولها من الأوجه المختلفة, فلعل مثل هذه الحلقة, حتى لو جاءت على شكل طاولة مستديرة للحوار, مكن أن تفتح لنا آفاق معرفة أوسع بهذا الشكل التعبيري الجديد, وعلى الإشكالات والقضايا التي يواجهها المدونون, ولعرفتنا على تجاربهم وخبراتهم, وقد وعد حسين بأن تجد هذه الأمنية الاهتمام من الجمعية. ونحن في الانتظار.
 
صحيفة الايام
24 فبراير 2009