شهد فندق الدبلومات وقائع مؤتمر «المواطنة وتكافؤ الفرص»، الذي نظمته السبت الماضي ست جمعيات سياسية (الوفاق، وعد، أمل، المنبر التقدمي، الإخاء والتجمع القومي).
المؤتمر قرع مرةً أخرى أحد الأجراس القديمة، لعلّ وعسى، فالسياسة الراهنة تأخذ البلد بعيداً عن بر الأمان.
هذه الجمعيات تمثل جزءًا كبيراً من الطيف السياسي الحقيقي النشط في الساحة، ومع تباين التوجهات الفكرية، إلا أن الهم الوطني الكبير يجمعها على أهداف عامة كبرى. وانعكس ذلك على الحضور المتنوع، من أقطاب وشخصيات، ضم نواباً وبلديين سابقين وحاليين، وناشطين سياسيين وحقوقيين، ومحامين واقتصاديين… إلى جانب وزراء سابقين… أمّا الحاليون فلم يحضر منهم أحدٌ، رغم توجيه دعوات رسمية لعددٍ من الوزراء. وهو ما يؤكد حال القطيعة التي تنتهجها الدولة مع المجتمع وقواه الحيّة، والذي كان أحد أسباب التأزيم والاحتقان.
العتب الآخر على وزارة الثقافة والإعلام، التي تلقت رسمياً دعوةً خاصةً ليقوم تلفزيون البحرين بتغطية مثل هذا الحدث الذي يحضره ما لا يقل عن مئة وخمسين من “المواطنين”، من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية والدينية التي تشكّل ذلك القوس البحريني المتعدّد الألوان. وما حدث أن تلفزيوننا الوطني لم يرسل مندوباً ولا مصوّراً، وإنما حضر مندوب أحد الفضائيات العربية المجاورة للقيام بالتغطية بصورةٍ مهنيةٍ تماماً.
الإعلام الرسمي الذي يضيق عن استيعاب آراء مواطنيه، فشل مجدّداً في أن يكون معبّراً حقيقياً عن آمال وتطلعات المجتمع البحريني المتنّوع. هذا الإعلام الذي فشل في التعبير عن المواطن بصدق، أو يكون قناةً لتوصيل آراء الناس للمسئولين بحريةٍ ودون تطبيل… يلوم الناس عندما تخرج على الفضائيات الأخرى للتعبير عن آرائها.
وكما غابت الحكومة عن المؤتمر، غابت جمعيات ” الموالاة ” أيضاً، رغم توجيه الدعوات للمشاركة من أجل مناقشة مثل هذه القضية التي تهدّد حاضر ومستقبل البلد. ولم يكن غياب «الموالاة» مستغرباً، فقد سبق أن وقف هؤلاء ضد واحدةٍ من أكبر القضايا المحقّة في البرلمان، حين عارضوا إصدار قانون يجرّم «التمييز». وقد اتخذوا هذا الموقف رغم علمهم بواقع التمييز، ورغم مخالفة موقفهم للمبادئ الإسلامية الداعية للعدل والإنصاف والمساواة بين الناس.
المشاركون أغلبهم يعملون في وظائف جيدة حسب تقديري، فهم مكتفون اقتصادياً. ويمثّلون صفوةً مهمةً من طبقة المثقفين، دينيين وعلمانيين، جمعهم موقفٌ وطنيٌ يمليه عليهم ما يعيشونه من واقع سياسي وطائفي محتقن، وذلك بالدعوة إلى نشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش والشفافية واحترام الرأي الآخر، ورفض الاستبعاد والإقصاء. ومن المعيب حقاً أن تتخلّف جمعيات «دينية» ممثّلة بالبرلمان عن المشاركة في هذا المنتدى الوطني… ولكن قاتل الله المصلحيات. وهو دليلٌ آخر يؤكد كلامنا دائماً، من أن الخلافات بين البحرينيين سياسية، لها طابع اقتصادي اجتماعي، مهما حاول المتمصلحون و”اللّعّيبة” تحريفها إلى صراعات طائفية أو مذهبية.
المؤتمر في خطّه العريض، كان دعوةً لمشاركةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ واسعةٍ وعادلةٍ لكل أفراد وفئات المجتمع، شعاره “بالمواطنة الكاملة نقضي على التمييز ونحقق مبدأ تكافؤ الفرص». ومن المحزن حقاً، أن تجتمع النخبة في بلدٍ نال استقلاله منذ أربعة عقود، ودشّن مرحلة إصلاح منذ ثمانية أعوام، لتناقش إعادة الاعتبار إلى مبدأ «تكافؤ الفرص»، الذي أجهزت عليه سياسات الإقصاء والفرز الطائفي والاستزلام الجماعي.
الوسط 23 فبراير 2009