نمرّ حالياً بأوقات غريبة، وكأننا نشاهد حلبات من المصارعة الحرة في التصريحات والأخبار المتضاربة من كل جانب. فلو لاحظنا ما يقوله عدد من المسئولين بشأن التصريحات الإيرانية المسيئة للبحرين نلاحظ اختلاف النغمة وتقلبها بين يوم وآخر. والأمر ينطبق على بعض جهات المعارضة التي تتوالى تصريحاتها بشأن القضايا المحلية صعوداً وهبوطاً. وبين هذا وذاك، يلاحظ انتشار ظاهرة السخرية لدى عامة الناس، وهي سخرية مصحوبة بالتوجس والهلع من الأنباء التي تتضارب فيما بينها. نفاجأ أيضاً بتطورات متناقضة من دون سابق إنذارأو تهيئة، وفي كل مرة يبدو أن هناك توقعاً بأن على الناس أن تبدل ذاكرتها بين يوم وآخر، ثم تعيدها، وتستبدلها في اليوم الذي يلي ذلك، وكأن القضايا أصبحت مثل كرة تنس الطاولة التي أصابها عطب وتتجه يمنة ويسرة رغم أنف اللاعبين.
عدد من القوى المخلصة سارعت إلى اقتراح علاجات، بينما سارع آخرون من المتمصلحين للاستهزاء بهم، وذلك في سياق ظاهرة السخرية التي تواكبنا منذ فترة غير قصيرة. وكما ذكرت بالأمس، فإن هناك من يرى أن الأسهل في هذه الفترة”الاختفاء” عن الحدث وترك الأمور تعالج بعضها بعضاً، أملاً في أن تنتهي بنتيجة ما ليعود المختفون بعد ذلك إلى الظهور. والذين يحاولون الاختباء ليسوا فقط من الجانب الأهلي، وإنما هناك وزراء ومسئولون قرّروا الهروب من كل شيء وصمّ آذانهم وإغلاق هواتفهم والبحث عن وسيلة تسليهم وتشغلهم عن مجريات الأمور الحالية.
لعل جانباً من ما يحدث جاء نتيجة للتعامل مع الوضع المحلي خلال السنوات الماضية بـ “نمطية سياسية” مصحوبة بـ «إيديولوجيات أحادية -التوجه»، وهذه النمطية نقرأها في مقابلات وتصريحات المسئولين (ولاسيما تلك التي تنشر في الصحف غير البحرينية)، كما تلاحظها لدى عدد من المتحركين على الساحة وبعض الفاعليات المجتمعية.
نعم، البعض يقول إن الحديث خارج الإطار «النمطي» الذي فرضناه على أنفسنا إنما هو «أحلام وردية»، ولكن لا بأس بالأحلام الوردية إذا كانت هي المخرج الوحيد من «المصارعة الحرة» التي لا تعير اهتماماً للفكر أو المهنية أو الإيجابية في التعامل مع معطيات المشكلات التي كانت بسيطة جداً، ولكنها أصبحت معقدة بسبب أسلوب «التنميط» المتبع حالياً.
ومن المفارقات أن عدداً من اللاعبين المؤثرين في الساحة، وكذلك المؤثرين على بعض دوائر القرار المهمة، يتبعون اتجاهات دينية أساساً، ولكنهم يمارسون السياسة كما لو أنها نوع من «القمار» الذي يلعبه أصحاب المصالح الخاصة. إن التنميط السياسي خلق فرصاً عديدة للمتمصلحين ووفّر فرصاً أخرى للاستهزاء بمن يحاول إصلاح الأوضاع عبر مبادرات حوارية… ولكن هذا كله يجب ألاً يفت من عزم من يخلص لوطنه، لأن الله والضمير الإنساني معه.
الوسط 23 فبراير 2009