عندما كنا نؤاخذ النواب ونعتب عليهم لطول إجازاتهم الطويلة كان البعض منهم «يزعل» علينا بشدة فيما وعدنا البعض الآخر منهم بتخريجة الجلسات الاستثنائية بوصفها تعويضا لحق الناخب على النائب في المهدور من وقت طويل في الإجازات فتعشمنا خيرا وقلنا لننتظر مع المنتظرين. ولكننا فوجئنا وذهلنا حقيقة من عدم اكتمال النصاب في الجلسة الاستثنائية الأخيرة التي كان من المفترض انعقادها وكنا نأمل ان تكون تطبيقاً عملياً وايفاءً بالوعد الذي قطعه النواب على أنفسهم بتعويض الوقت الضائع في العطلات والإجازات بالجلسات الاستثنائية.. ولكن خاب الرجاء وخذلنا النواب الذين تغيبوا وللأسف كان بعض الغائبين والمتغيبين ممن رفعوا شعار الجلسات الاستثنائية بوصفها الحل وطالبوا بها في تصريحات نارية وحماسية ليتضح لنا مع غيابهم عن استثنائية الخميس أنها مجرد تصريحات انتخابية لكسب الناخبين الغاضبين فعلا من طول الإجازات الطويلة بما عطل التشريع والمشاريع لاسيما في ظل التركيبة البرلمانية الفاقعة التي أفرزتها انتخابات 2006 ولكن «كما تكونوا يولى عليكم» وهذه إرادة الناخب ولعلنا نقول هنا ما قالت به أمثالنا الشعبية «خبز خبزتيه اكليه» والمصيبة اننا سنخبز هذا الخبز ونفس الخبز في انتخابات 2010 طالما ظلت ذهنيتنا الانتخابية محكومة بذات النفس.. نقول هذا الكلام ونحن نعلم اننا لا نتعلم من تجاربنا.. وهذه حقيقة الحقائق العربية. المشكلة ان الناخب لا يريد ان يزعل النائب.. ولكن النائب كل مرة يزعل الناخب حتى في ابسط الوعود لا يفي بالتزاماته ومن الواضح ان «الربع» النواب يعشقون الإجازات على قاعدة «من يعاف الراحة» خصوصا اذا كانت مدفوعة الأجر والمشكلة الثانية ان المجلس لم يطبق حتى الان على النواب المتغيبين «قانون الخصم» الذي تخوله للمجلس اللائحة الداخلية على العضو المتغيب بغير اذن او إجازة. ويبدو ان الخصم لا يصيب «الناس اللي فوق» بحسب تعبير المسرحي الراحل نعمان عاشور والسؤال كيف يطبق المجلس الجزاء على نفسه في المفترض ان جهة محايدة تطبق القانون فالأمر الطبيعي في الحالة العربية عدم تطبيق الجزاء على الذات وان كنا ننتظر ان يفاجئنا نائب من النواب المتغيبين بلا عذر أو إذن ويطالب علنا وفعلا ان يطبق الخصم عليه.. على كل هو مجرد اقتراح انتخابي دعائي لو حسبها البعض بنظرة بعيدة لكن «المال عديل الروح» هكذا قالت لنا الحكمة العربية المأثورة والاثيرة في نفوس الجميع خصوصا نوابنا العرب الذين قد يطبقون الجزاءات على الدولة على الحكومة على الوزراء على الشركات او المؤسسات.. ولكن عندما تلامس الجزاءات حدودهم قالوا لها بصوت واحد «حدج»!! يعني «خط احمر» خصوصا وان الخطوط الحمراء زادت وفاضت وكل واحد صار خطاً أحمر.. ولنا في ذلك حديث سيطول… وكان الله في العون حتى بتنا نخشى ان إشارات المرور لا تشتغل ولا تعمل الا بلون وبخط واحد احمر.. تالي عاد فجج..!! المشكل اليوم ان كل شيء قد تسيس او بالأدق قد سيسوه والكاتب الذي يبحث عن استقلالية يصبح هدفاً وصيدا سهلا لجماعات التسييس فهو مرة متآمر ومرة عميل ومرة يقبض بالدينار ومرة يقبض بالدولار بحيث يحاصرون بالتسيس ملاحظاته ونقده وكتاباته وهو أسلوب قديم تم تجديده وتم رواجه مع رواج ظاهرة التسيس التي سيطرت على الأذهان والوجدان العربية بحيث أصبحت المجاملات السياسية هي السائدة بين جماعات التسييس وعلى طريقة اسكت عني واسكت عنك ضاعت أمور كثيرة كان بالإمكان معالجتها مبكرا ومنها غياب النواب……………
الأيام 22 فبراير 2009