لابد للمراقب من أن يطرح السؤال عن مدى الفارق بين التطلعات الإمبراطورية للنظام البهلوي المنهار، وبين السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي نشأت في أعقاب سقوطه؟ حكماً من الطريقة غير المسؤولة التي تتصرف بها طهران تجاه جارة صغيرة لها هي البحرين، يمكن القول أن لا فرق أبداً، بل يمكن الذهاب أبعد في القول بأن محمد رضا بهلوي قبل في حينه بالقرار الدولي حول عروبة واستقلال البحرين، ووافق على إغلاق مطالبته بضم البحرين. لكن القادة الإيرانيين الحاليين يعاودن فتح هذا الملف بطريقة نزقة، لا تخلو من الاستخفاف بقواعد القانون الدولي، وبما استقر عليه الحال من الاعتراف بحدود الدول وسيادتها على أراضيها، وحق شعبها في اختيار النظام السياسي الذي يراه مناسباً له دون إملاء أو ضغط من الخارج. فبين الحين والآخر يُطلق مسؤولون إيرانيون أو قريبون من مواقع صنع القرار في طهران دعاوى تمس سيادة البحرين واستقلالها، بالزعم بتابعية هذا البلد العربي المستقل لإيران، وفي هذه المرة جاء الادعاء على لسان شخص يوصف بأنه مقرب من المرشد الأعلى ومن الدائرة التي تصنع القرار في طهران الذي ذهب بعيدا في القول بأن البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة في ايران! عروبة البحرين حقيقة تاريخية ثابتة لكل من يعرفون التاريخ جيدا، والشيعة العرب يعيشون في هذا البلد قبل أن تتحول إيران ذاتها إلى التشيع في عهد الدولة الصفوية بقرون طويلة. الإشارة إلى هذه الحقيقة ضرورية لتفنيد ما تعده إيران مستنداً لها في إعلاناتها التي تمس سيادة البحرين، اتكاء على كون مذهب الدولة في طهران شيعياً. وسيادة البحرين واستقلالها وعروبتها أمور حُسمت بقرار دولي بعد أن أوفدت الأمم المتحدة مبعوثها الذي استطلع آراء البحرينيين في مستقبل بلادهم بعد إنهاء الحماية البريطانية. فكان أن عاد هذا المبعوث بتقرير أكد فيه رغبة قادة الرأي العام من مختلف الفئات والطوائف والتوجهات والتحدرات العرقية في أن تصبح البحرين دولةً عربيةً مستقلةً ذات سيادة على أراضيها وقرارها الوطني، ووفق هذا جرى الاعتراف باستقلال البلاد التي أصبحت من يومها عضوا في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. ليس غريباً، بعد ذلك، أن نفهم حالة الاستياء الشعبي والرسمي الواسع في البحرين من هذا التصريح، فالبحرينيون يمكن أن يختلفوا مع حكومتهم في مسألة أو أخرى، ولكن حين يمس الأمر استقلال الوطن فان البحرين الرسمية والشعبية كلها موحدة للدفاع عنه. والبحرين في هذا الموقف ليست وحيدة، فقد وقف معها الأخوة والأشقاء في المحيطين الخليجي والعربي، لا بل وعلى المستوى الدولي كذلك. من الصعب بالنسبة لنا في دول مجلس التعاون الخليجي أن نفهم السياسة الخارجية إزاءنا، ففي الوقت الذي تمد فيه حكومات وشعوب هذه المنطقة لإيران داعية إياها إلى التعاون والتفاهم على الأمن المشترك لدول المنطقة على قاعدة حسن الجوار، تصر هي على إرسال المزيد من الإشارات السلبية. فإضافة إلى استمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، وإحداث تغييرات على الأمر الواقع في هذه الجزر، مسببة بذلك المزيد من التوتر في العلاقات الإيرانية – الخليجية، فإنها جعلت من التلويح بتبعية البحرين إليها ورقة ابتزاز دائمة. الأوان قد حان لكي يتبصر القادة الإيرانيون جدياً في تبعات ما يفعلون.
صحيفة الايام
22 فبراير 2009