المنشور

الإصلاح الإداري


 
أكمل ما كنت قد بدأت به، وانتهيت إليه من ضرورة بث روح جديدة للمسؤولية في كل موقع من مواقع العمل العام، أو الإدارة العامة واعتبار ذلك شأناً وطنياً يتعلق بمسيرة الدولة والمجتمع.
الأصل في الإدارة العامة خدمة المواطن، والإدارة الحقيقية المؤهلة هي التي تكسب مبرر وجودها من خلال الالتزام بهذا الأصل بكل مقتضياته وأركانه وما يفرضه من واجبات بكل كفاءة، ومهنية، ونزاهة، وبأقل كلفة وعلى أساس الجودة والجدوى والإتقان وسرعة الإنجاز وعلى قاعدة الشفافية والمساءلة .

هذا هو المفروض حتى تكون إدارة شؤون المجتمع قادرة على مواجهة المعضلات وملبية لاحتياجات المواطنين والمقيمين بأفضل صورة ممكنة بعيداً عن المعالجات الظرفية والتسكينية لواقع حال الإدارة الراهن، وبعيداً عن أشكال الضغط والتجاذبات والولاءات الضيقة والاستقطابات بأنواعها، ناهيك عن منطق الزمرة والشلة والمحسوبية والتفصيلات الطائفية وكل الاعتبارات الأخرى المعيبة بأي معيار والتي لا تزال تحكمنا وتحاكمنا، وهي في الغالب ليس لها علاقة لا بقواعد الكفاءة والجدارة ولا بعناصر الاستحقاق والإنجاز والإتقان ولا أي شيء من هذا القبيل مما يحتاجه المواطن والدولة والاقتصاد على حد سواء.

وهنا لا مناص من التساؤل: هل هو مشروع إصلاح إداري هذا الذي أعلن عنه مؤخراً في ضوء إعادة تشكيل المجلس، أم نعده مجرد مشروع نوايا حسنة لعملية إصلاح أو تحديث منظومة الإدارة الحكومية .
نعلم جيداً.. أن الإصلاح في أي مجال هو عملية ذات طبيعة خاصة، ففي حين يمكن للبعض أن يثبت أنها حققت الكثير، بمقدور البعض الآخر أن يثبت أنها لم تحقق شيئاً يذكر، أو شيئاً له قيمة .. كل ذلك تبعاً للمنظور المتبع في تفسير عملية الإصلاح كمفهوم وتحديد ما يجب إصلاحه، لذا لن ندخل في التفاصيل ذات الصلة بمفاهيم الإصلاح الإداري، فالإصلاح الإداري هو اليوم يعني تطوير الإدارة وتحديثها كي تقوم بعملها بكفاءة وفعالية تجاه المواطن والمجتمع والاقتصاد الوطني، وعلى أساس ذلك بدأت بعض الدول والدوائر الاقتصادية تتبنى مفهوم التنمية الإدارية، ولا شيء يحجب هذه الحقيقة، وهي أنه كلما تباطأنا في عملية الإصلاح الإداري، أو التنمية الإدارية كلما دفع الوطن والمواطن الثمن غالياًَ أكثر فأكثر.
نعود إلى السؤال، هل نحن أمام مشروع إصلاح إداري في البحرين؟

التفاصيل المعلنة تشير إلى أن هناك توجهاً وصف بأنه جاد يستهدف « أطراً عامة « للوصول إلى:

• إعادة هندسة العمليات في الإدارة الحكومية للتوافق مع رؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030 لبلوغ إدارة حكومية كفوءة ومنتجة .
• إحلال الكفاءات الوطنية وأصحاب المؤهلات والقدرات المميزة في المواقع القيادية.
• إعداد جيل قادم مؤهل من الكفاءات البحرينية مدربة ومؤهلة تتحمل مسؤوليات وقيادة عمليات التطوير في كافة المجالات.
• وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

تلك هي الأطر العامة الطموحة التي لا نعلم حقاً ماذا كان يمكن أن تشكل بداية المشوار الذي يبدأ بخطوة على طريق الإصلاح الإداري الحقيقي والمنشود الذي نراه أكثر من مناقلات وتعيينات وعملية تجميل أو إجراءات شكلية.
مهما يكن من أمر.. لا يجب أن يغيب عن البال أن أي إصلاح إداري حقيقي، أو تنمية إدارية بأبعادها الحقيقية سيكون من المتعذر بلوغها اذا بقيت هيمنة أو تدخلات أهل السياسة واملاءاتهم الفوقية في الشأن الإداري، وبات فصل الإدارة عن السياسة وإيقاف السياسيين والنواب وبشكل قاطع من أي هيمنة، ومن الشفاعات والوساطات والمراجعات والتدخلات في شؤون الإدارة أمراً لابد منه.

إننا ننبش من بطن الميثاق الوطني الذي مرت علينا قبل أيام ذكراه الثامنة، فهو الذي قضى في فصله الثالث بإنشاء ديوان للرقابة المالية، وآخر للرقابة الإدارية بهـــــــدف «تفعيل معايير النزاهة وتكافؤ الفرص، وتفعيل أدوات المراقبة المالية والإدارية، وزيادة شفافية العمل في كافة إدارات الدولة»، بل علينا في شأن مشروع هذا الديوان أن نضيف إلى ذلك الأمر الملكي الذي نص على إنشاء ديوان الرقابة الإدارية وفق معطيات الميثاق الوطني، وهو الأمر الذي أعلن عنه جلالة الملك حفظه الله في كلمته السامية بمناسبة العيد الوطني وعيد الجلوس ( 16 ديسمبر 2005 ) وصولاً كما قال جلالته إلى مزيد من الكفاءة والنزاهة والشفافية في الإدارة الحكومية، وذلك يعني توافر المرتكز السياسي للإصلاح الإداري.

كل ما نريده ونحن نعيش أجواء الذكرى الثامنة للميثاق الوطني أن نسمح لنزعة الإصلاح الإداري الحقيقي أن تشق مجراها من دون إعاقات ومعوقات، وأن نعي جيداً أن المرحلة المقبلة من تطورنا الاقتصادي والاجتماعي، يجب أن تبدأ بإصلاح إداري شامل يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ويعطي لصاحب الكفاءة والنزاهة دوره الكامل في حمل المسؤولية وممارسة الصلاحية، وبغير ذلك ستبقى الإدارة العامة تمثل عنق الزجاجة في جهودنا الإنمائية.
 
الأيام 20 فبراير 2009