المنشور

لكي تنجح مبادرة «التقدمي»


 يسألنا الكثير من أصدقائنا ومن المهتمين والمتابعين للشأن العام عن مدى تفاؤلنا في حظوظ مبادرة المنبر التقدمي لإطلاق حوار وطني في النجاح, ومثل هذا السؤال وُجه لي كذلك في المؤتمر الصحافي الذي أعلنا فيه المبادرة. ولا أعني هنا طبعا أصحاب الآراء التي تتطير من مجرد سماع كلمة حوار, وتنظر إليها على أنها رجس من عمل الشيطان, لأن هؤلاء لا يطيبُ لهم العيش إلا في الجو المشحون, وإنما أعني أولئك الذي يرغبون في أعماقهم أن تنجح هذه المبادرة, ولكنهم لا يخفون تشاؤمهم من إمكانية ذلك, حكماً من الانطباع الذي يمكن أن يصلوا إليه من ظاهر الأشياء.

في حديثٍ سابق قلت إن مبادرة من هذا النوع في حاجة إلى تهيئة الظروف الملائمة لإنجاحها, وهذا ما يدأب عليه المنبر التقدمي الآن, من خلال اتصالاته مع مختلف القوى والشخصيات والمؤسسات ذات الصلة بموضوع المبادرة. وقد حدث تطور ايجابي باتفاق الجمعيات الست على دعمها لهذه المبادرة, باعتبارها الصيغة المقبولة, في إطارها العام بإعلان المبادئ, وبآلية التنفيذ اللذين تقترحهما, لتكون قاعدة حوار وطني خلاق بين الدولة والمجتمع, يهدف في نهاية المطاف إلى إشاعة مناخ الثقة في العلاقة بين الطرفين, ونزع عوامل الاحتقان السياسي والأمني, والتمسك بروح ونصوص ميثاق العمل الوطني الذي نقل البلاد من حال إلى حال.

ونحن بطبيعة الحوار لا نتوجه بهذه المبادرة إلى المعارضة وحدها, وإنما إلى مكونات المجتمع البحريني جميعها, وهذا حرصنا على إظهاره عند إطلاق دعوتنا للحوار وعند صوغنا لمبادئ المبادرة, ونحن على يقين من أن الروح التي صيغت بها هذه البنود تستجيب لتطلعات ومواقف الغالبية الساحقة من فئات المجتمع البحريني.

للمبادرة, في تقديرنا, حظوظ طيبة في النجاح, ولكن من أجل بلوغ ذلك يجب تأمين شروط هذا النجاح, وفي مقدمتها تحقيق التفاف حولها من قبل كل المخلصين والحريصين على مصلحة الوطن, بصرف النظر عن مواقعهم ومواقفهم وقناعاتهم السياسية, وفي تقديرنا أن مثل هذا الالتفاف سيخلق رأياً عاماً مُحبذا للحوار, بما يفتح آفاقاً جديدة لتطور العمل السياسي للبلاد في اتجاه تعزيز الشراكة الناضجة بين الدولة والمجتمع, وإضفاء الطابع المتحضر على العلاقة بينهما, من المواقع المختلفة, بحيث يُحفظ للدولة مهابتها ومكانتها وللمعارضة حقها في أن تعارض وتحتج وتنتقد بالوسائل القانونية, مع مواصلة النضال من أجل أن تكون هذه الوسائل تستجيب للمعايير المرعية في عالم اليوم بضمان حرية التعبير والتنظيم الحزبي والنقابي.. الخ. لدينا في هذا الوطن من التجارب المُرة خلال عقود ما يكفي من العظات والعبر, التي يجب أن تحمل الجميع على إدراك أن طريق الحوار وحده, الذي خبرنا أوجهه عند انطلاقة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك, هو الطريق الذي يأخذ ببلدنا وشعبنا إلى بر الأمان. وهذا ما نعول عليه, ولسنا في هذا التعويل وحيدين.
 
الأيام 18 فبراير 2009