المنشور

التوافق ضرورة .. ولكن


التوافق المقصود بهذا العنوان هو ليس جبهة التوافق العراقية , التي تمثل اكبرمكوّن سني في البرلمان العراقي,بل هو المبدأ الذي اعتمده الدستور العراقي الجديد , لكي يحول دون انفراد مكوّن سياسي او ديني او طائفي اوعرقي بشؤون الحكم في العراق, في الفترة الانتقالية , التي يعيشها الآن , والى أمد غير محدد , ليمكن بعد هذا الامد تطبيق المبدأ السائد في الدول الديمقراطية العريقة , مبدأ حكم الأغلبية التي تفوز في الانتخابات, بصرف النظر عن انتماءاتها الدينية او المذهبية او العرقية او السياسية في ظل النظام الاتحادي (الفيديرالي) الديمقراطي ,الذي اقره الدستور.
فقد جرى سن هذا المبدأ في قانون إدارة الدولة الانتقالي قبل الاستفتاء على الدستور في العام 2005, وانتقل الى الدستور , الذي قبلته غالبية الشعب العراقي في الاستفتاء العام الذي جرى في الخامس عشر من شهر /اكتوبر/2005.
وساعد اعتماد هذا المبدأ ,اي التوافق , على تجاوز الكثير من الاشكاليات السياسية وحل عدد من العقد السياسية التي واجهت مسيرة العملية السياسية حتى الآن , والتي جرى حلـّها عن طريق التنازلات المتبادلة بين الكتل البرلمانية , لتمشية واقرار عدد من القوانين التي كانت موضع خلاف بين الكتل المذكورة .
غير ان هذا المبدأ الضروري في الفترة الانتقالية التي يعيشها العراق الآن يتطلب مرونة عالية من جميع اطراف العملية السياسية , والارتفاع الى مستوى المسؤولية الوطنية العليا وتغليبها على المصالح الفئوية والحزبية الضيقة . وهو امر يفتقده المراقب السياسي في احيان ليست قليلة . فها قد مضى نحو شهرين منذ جرى إجبار رئيس مجلس النواب العراقي الدكتور المشهداني على الاستقالة من رئاسة هيئة رئاسة المجلس بسبب من تعامله غير المقبول مع النواب . الامر الذي حمل غالبية كبيرة على طلب إقالته . ومن ثم جرت تسوية الامر بتقديم استقالته, وإحالته على التقاعد . ولم يستطع البرلمان حتى كتابة هذه السطور من انتخاب رئيس جديد للبرلمان . وجرى تحديد يوم غد , الاربعاء الثامن عشر من هذا الشهر لحل المسألة المستعصية , مسألة انتخاب خلف للمشهداني ,التي سنعود اليها بعد استطراد صغير لا يخلو من علاقة بالموضوع الذي نحن فيه .
(صرح الدكتور فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي لجريدة الشرق الاوسط تصريحاً نشرته في التاسع من كانون الثاني/ينايرالماضي جاء فيه (ان التحالف الكردستاني وحزب الدعوة والمجلس الاعلى الاسلامي اتفقوا على إقالة وتنحية السيد محمود المشهداني رئيس البرلمان الفيدرالي, بسبب تفوهه بكلام مسيء ضد اعضاء البرلمان لاكثر من مرة , مقابل منحه راتباً شهرياً قدره اربعون الف دولار , اي ما يعادل خمسين مليون دينار عراقي , مع النثرية واحتفاظه بمئتين من افراد حمايته ) . انتهى تصريح الدكتور معصوم . ولا نعرف مقدار ما يـُدفع للنثرية وللمئتين من افراد الحماية. ولعلم القارىء الكريم ان راتب المشهداني الشهري , وحده , يفوق رواتب الرؤساء الامريكيين بوش الاب وكلنتون والرؤساء الفرنسي والالماني والصيني والياباني, ناهيك عن رواتب الرؤساء التركي والفيتنامي والبوليفي وغيرهم من رؤساء الدول. الامر الذي يثيرمشاعر الالم والمرارة , بل والغضب المشروع من قبل ابناء الشعب , على مجلس النواب الذي وافق على هذه التسويةالشائنة).
مسألة الانتخاب هذه استعصت , حتى الآن , ويؤمل حلها يوم غد .وسبب الاستعصاء هو ضرورة التوافق على الرئيس الجديد ليس فقط بين الكتل المختلفة مذهبياً , بل وداخل كل كتلة من الكتل . فمن المعروف ان المشهداني كان ينتمي الى مجموعة داخل كتلة التوافق العراقية يترأسها النائب خلف العليان , كانت قد خرجت من التوافق قبل استقالة المشهداني . وهي تطالب الآن بأن يكون الرئيس الجديد منها. والحزب الاسلامي الذي يترأسه الدكتور طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية ,الذي- اي الحزب- يشكل اكبر مكوّن في ما تبقى من كتلة جبهة التوافق في البرلمان, يصر على ترشيح احد اعضائه لرئاسة البرلمان . الامر الذي يلقى معارضة من داخل اعضاء في المكون السني في البرلمان وخارج هذا المكون . ولذا يشك الكثير من المراقبين في ان يـُفلح البرلمان غداً في حل هذه المعضلة الناجمة عن التطبيق السيء لمبدأ التوافق الذي يتذرع به كل طرف لفرض مايريد . وضحية هذه الخلافات قانون الميزانية للعام 2009 رغم اننا تجاوزنا منتصف الشهر الثاني من العام , الذي يرى البعض ان مناقشته وإقراره يتطلب انتخاب رئيس جديد للبرلمان قبل ذلك , علماً ان القضاء افتى بجوازمناقشة القانون وإقراره في جلسة يترأسها نائب رئيس المجلس .
ان قانون الميزانية كان يـُفترض ان يـُقر قبل بداية العام الجديد ,لكي تعرف كل وزارة من الوزارات وحكومة اقليم كردستان وكل محافظة من المحافظات ما تتمتع به من اموال لتمشية عمل الدوائر التابعة لها والمشاريع التي يمكن ان تقوم بها . لا ان يظل الامر معلقاً لأن مجلس النواب لم يحسم من سيترأس جلساته . نعود لنقول ان مبدأ التوافق ضرورة في المرحلة الحالية من العملية السياسية… ولكن!
 
الأيام 17 فبراير 2009