أوروبا تتوحد, ومحل الكيانات – الدول ينشأ اتحاد يأخذ شيئاً فشيئاً من سيادة تلك الدول في اتجاه بلورة هوية أوروبية مشتركة – أما عالمنا العربي الإسلامي فيزداد تفككاً, وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه, فعلينا توقع انبثاق كيانات جديدة أصغر فأصغر.
يدفعنا ذلك إلى مشارف الاستنتاج, فنقول إن الدولة – الأمة في أوروبا قد استوت إلى مرحلة النضج, التي لا تجعلها خائفة من الاندماج في كيانٍ أوسع, يُثريها وتثريه. أما الدولة الوطنية, أو القطرية إن شئنا, في عالمنا العربي – الإسلامي فقد شارفت مرحلة إفلاسها التام, قبل أن تنجز مهمتها, في بناء كيانات حديثة, قوية ومتطورة. نواة تمزق هذه الكيانات وانحلالها إلى عشائر وقبائل ومذاهب كامنة في بنيتها الهشة من الأساس. الحدود التي رسمت الدول والكيانات القائمة هي صنيعة المنتصرين في الحرب العالمية الأولى الذين قسموا بلدان هذه المنطقة بشكلٍ اعتباطي, يوائم توزيع الغنائم فيما بينهم, وما اتفاقية سايكس – بيكو إلا التعبير الأبلغ عن هذا «الترسيم» الاعتباطي.
هل نذهب أكثر في هذا الاستنتاج, لنقول إن الغرب, خاصة بريطانيا وفرنسا وهما يتقاسمان مناطق النفوذ في منطقتنا كانتا «تقيمان» كيانات وجدت لتتفكك بعد حين, لا لتبقى. إنه افتراض ينطوي على وجاهة, إذا ما عاينا هذا الهجين الغريب الذي تشكلت منه هذه الكيانات. وفاقم من ذلك أن من حكموها لم يتوفروا على برامج واضحة لبناء دول حديثة, تمتلك أسباب القوة والمنعة, وتحقق لشعوبها ما هي في حاجة إليه من عيشٍ كريم وحياة حرة, فلا هي أمنت لقمة العيش ولا فضاء الديمقراطية, مما جعل من هذه المجتمعات على حافات الانفجار الذي ظل مؤجلاً حتى حانت لحظته. في كلماتٍ أخرى, أضاعت هذه الحكومات فرصة أن تصهر الهجين الذي منه تشكلت هذه الكيانات في دولٍ للمؤسسات والقانون, قائمة على الحقوق والواجبات المتكافئة لمواطنيها, وتتخطى عناصر ما قبل الدولة, في اتجاه بناء الدولة.
يبقى السؤال الأصعب عن حدود مسؤولية التدخلات الخارجية في دفع الأمور نحو هذا المآل, وكما في حال «اصطناع» كيانات كثيرة في المنطقة, فإن تفكيك هذه الكيانات إلى وحدات أصغر, لا يبدو أنه يجري بعيداً عن تأثير فعل فاعل خارجي مشابه.
الأيام 16 فبراير 2009