مع أنّ الاستجواب المقرر أن يوجهه نواب «الحركة الدستورية الإسلامية – حدس» إلى رئيس مجلس الوزراء هو العنوان المثير واللافت والمسيطر على واجهة الأحداث السياسية، اتصالاً مع ما يمكن أن يترتب على هذا الاستجواب الموعود من تداعيات تتصل بكيفية التعامل معه من حيث صعود رئيس الحكومة المنصة أو ترجيح عدم صعوده، وما إذا كانت جلسة مناقشة الاستجواب ستكون سرية أم علنية، واحتمالات الدفع بالأوضاع نحو حلّ مجلس الأمة، وما يمكن أن يتعرض له المشهد السياسي بعد ذلك من تغيرات مستحقة أو ستفرضها الظروف… إلا أنّني أظن أنّ هناك عنواناً آخر للأزمة السياسية مرشح لأن يتفاعل ويبرز على السطح، وذلك ربما قبل تقديم استجواب«حدس» الذي لما تنقض بعد أسابيعه الستة!
ولعلّ العنوان المرشح للأزمة المقبلة هو مشروع قانون تعزيز الاستقرار المالي في الدولة، الذي تقدمت به الحكومة… وذلك من مدخلين محتملين…المدخل الأول لتفاعله كأزمة سياسية يتمثّل في توجّه عدد لا بأس به من النواب لربط إقرار هذا المشروع الحكومي بتمرير الاقتراح بقانون المثير للجدل في شأن شراء مديونيات المواطنين… وها نحن نلاحظ المواقف والاصطفافات النيابية تتشكّل مبكراً مع هذا الاقتراح النيابي أو ضده… وها هي الندوات الجماهيرية تُقام لحشد أوسع تأييد له… وذلك مقابل موقف حكومي مناهض لمثل هذا الاقتراح بقانون ورافض للربط بينه وبين إقرار مشروع قانون تعزيز الاستقرار المالي في الدولة… وهذا كله مرشح لأن يفرض نفسه كعنوان للأزمة السياسية وأن يبرز في واجهة الأحداث.
أما المدخل الآخر لعنوان الأزمة السياسية المرشحة للتفاعل بالارتباط مع مشروع القانون الحكومي لتعزيز الاستقرار المالي فيتمثّل في موقف «كتلة العمل الشعبي» المعارض بشدة لهذا المشروع بقانون، حيث ترفضه من حيث المبدأ وتعدّه مشروعاً معيباً وبالغ السوء… إلا أنّ عدم قدرة الكتلة لكونها أقلية على حشد غالبية نيابية معارضة مبدئياً لإقرار هذا المشروع الحكومي، يدفعها إلى التصدي له عبر تفعيل أدوات المساءلة الدستورية، التي سبق أن لوّحت بتفعيل أداة الاستجواب لمنع تمرير مثل هذا المشروع بقانون وذلك قبل أن يتم تقديمه في بيان سابق لها أصدرته في 11 يناير الماضي عندما أعلنت أنها بروح الحزم والعزم التي سبق أن تصدّت فيها لمشروع المصفاة الرابعة وصفقة«الداو» ستتصدى أيضاً للمقترحات الداعية لاستخدام المال العام لصالح بعض أصحاب المصالح والنفوذ تحت أي عنوان لتبديد الأموال العامة وهدرها في سداد ديون داخلية وخارجية مستحقة على شركات خاصة… كما سبق لـ«كتلة العمل الشعبي» أن كررت مثل هذا التلويح باستجواب رئيس مجلس الوزراء لمنع تمرير مثل هذا المشروع بقانون في مداخلة شهيرة لرئيس مجلس الأمة السابق النائب أحمد السعدون خلال اجتماع للجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة المنعقد يوم 25 يناير الماضي… والآن وبعد أن تمّ تقديم هذا المشروع بقانون وأصبح قاب قوسين أو أدنى من إقراره، وبعد أن اتضحت أمام «كتلة العمل الشعبي» عيوبه وسلبياته ومخاطره، وفق ما كشفته مصادرها المقربة، فإنّ تنفيذها لتلويحها بالاستجواب أصبح أمراً قائماً، بل من المتوقع أن يتم خلال فترة قصيرة جداً، وذلك قبل تمرير مشروع هذا القانون الخطير؛ وفرضه كأمر واقع.
وليس أمامنا سوى أن نترقب ما سيشهده الأسبوعان المقبلان من تطورات قد تسبق الاستجواب الموعود من”حدس”!
عالم اليوم 16 فبراير 2009