ماذا لو تصورنا أن إيران تنقلب فجأة إلى دولة تكرس الحداثة والعلمانية في المنطقة؟!
التصور غير مستبعد فشعب إيران هو أول الشعوب التي كرست الحداثة في المنطقة في صراعها مع الاستعمار الغربي بألوانه المختلفة، منذ القرن السابع عشر، ثم كانت من أوائل الدول في الشرق التي ثارت من أجل الدستور والديمقراطية في أوائل القرن العشرين، فيما يُسمى الثورة المشروطية.
وقد كانت ثورة مصدق التي لم تأت في حينها الدقيق ولا أُديرت بذكاء كبير، قد حجمت الفئات الوسطى التحديثية بسبب القمعين الأمريكي والمحافظ.
ولهذا فإن التوجه نحو الحداثة والعلمانية ليس مستبعداً، وقد يحدث بصورةٍ مفاجئة حادة، فهناك تراكماتٌ تجري على صعيد نمو الفئات الوسطى التي اختنقت من السيطرة الحكومية المتشددة، مثلما أن أجهزة الدولة أفرزت مثل هذه الفئات التي انتعشت بفضل سياسة الحكومة المركزية لكنها صارت تخاف على رساميلها من شبح الحكومة.
ولم تأتِ سياسة الخصخصة بتحول كبير لمصلحة الفئات الوسطى الحرة، بل كسبتها الفئات الحكومية.
ومع هذا كله فإن الفئات المتوسطة يساندها عمالٌ مناضلون لهم تاريخٌ حافل في الصراع، قادرة على الانعطاف بالسياسة الإيرانية الرجعية على مدى السنوات السابقة نحو التحديث والحرية.
لقد كان رفسنجاني وخاتمي لحظتين سياسيتين في نمو هذه الفئات الوسطى باتجاه الغرب والحداثة، وإن جاء ذلك في قالب ديني، وفي رئاستيهما الحكيمتين شهدنا مرونة في السياسة الخارجية وبعض الانفتاح، لكن كبار الضباط في الجيش والداخلية والمؤسسات العسكرية الأخرى، لا يريدون انفتاحاً وعلاقات ودية مع دول الغرب والمنطقة، فهذا يقوض سياسة التسلح المتصاعدة ومكاسبهم منها.
إن احتمال فوز الرئيس نجاد في الانتخابات مجدداً مثل احتمال دخول إبليس في الجنة.
لقد كان نقطة تدهور في الحياة السياسية وفي العلاقة مع الأمم الحديثة ودول المنطقة، فلم يكن يتصرف بطريقة تليق بدولة ذات أهمية كبيرة، وذهبت كلماته عن دولة الكادحين والمستضعفين أدراج الرياح. بل تفاقمت سيطرة الجنرالات والبيروقراطية الحكومية واتسع الفساد وضاعت أموالٌ كبيرة.
لا نستبعد في خطوة مفاجئة في جمهورية المفاجآت والتطورات المباغتة أن يظهر رئيسٌ ثالث يضيف للرئيسين السابقين رفسنجاني وخاتمي، دورة رئاسية تحولية كبيرة.
ان الشعب الإيراني يتحفز من أجل رئيس يعبر عن الأغلبية الشعبية المحرومة، وأن يعيد للإسلام ارتباطه بالفقراء والكادحين لا بالبيروقراطية الاستغلالية، وأن يفتح الدرب للحداثة الإيرانية – الإسلامية – الإنسانية.
ورغم هذه التمنيات فإن الانتخابات القادمة الإيرانية لا يمكن إلا أن تعيد السيد خاتمي للحكم ثانية، وهو الرجل التحديثي الواقع في شباك الدينيين، لكنه مع ذلك سيجعل إيران أكثر مقاربة مع الحداثة.
لا يستطيع أي رئيس إيراني قادم أن يلغي النظام الديني الاستبدادي إلا حين يلغي السلطات الاستثنائية لرجال الدين، ويجعلُ البرلمانَ هو السلطة التشريعية التي تنبثق منها السلطة التنفيذية، وهذا لا يمكن أن يكون مع وجود القوى العسكرية البيروقراطية المسيطرة.
فيغدو حراك أي رئيس في هوامش النظام وقد تؤدي الأزمة الاقتصادية وتقزيم القطاع العام البيروقراطي وسياسة السلام أن توسع من حضور الفئات الوسطى التحديثية لإحداث تحول حاسم في النظام الإيراني باتجاه العلمانية والديمقراطية.
ومع رئيس جديد للولايات المتحدة، وحوارات أمريكية إيرانية ، تنتظرُ فوز خاتمي في الانتخابات، فإن مساراً جديداً ربما يتشكل في السياسة الإيرانية.
وسيعمل الطاقم الديني المتمسك بسياسته المحافظة العنيدة التي دهورت حياة شعب إيران، على إفشال التقارب الإيراني – الأمريكي، ومقاربة إيران الحثيثة مع الحداثة والعصر، وعلى إفشال سياسة الرئيس الإيراني الجديد.
هذا يتطلب جبهة شعبية إيرانية حداثية وعلمانية ذات حضور شعبي، تضعُ العلمانية في بؤرة عملها، وأي كلام آخر يكون مصيره انتصار آخر للرجعيين.
ولابد من إعادة تجديد إيران وعودة ملايين القرويين إلى قراهم، وإحداث سياسة إصلاح زراعي عميقة، وتجديد الفقه الإسلامي باتجاه الحداثة، فهل سوف ستقوم مقولات خاتمي المترددة المحافظة في جوانب عديدة منها بفهم هذا وتحويله إلى نضال شعبي؟
من الصعب حصول ذلك، لكن إذا أصرت القوى المحافظة على عبور الخط الأحمر، والاستمرار في مغامراتها فإن ضربات عسكرية قد توجه لها وتحدث بالقوة تغيرات رهيبة فيها وفي المنطقة.
لإيران أشهر مهمة حاسمة قادمة فإما أن تمشي مع الركب الإنساني الصاعد وأما أن تواجهه.
ووجود رئيس ديمقراطي قوي غير متردد ومشكل لجبهة حداثية شعبية من شأنه أن يقود لتغييرات مهمة تبعد شبح الحرب عن المنطقة وتعيد إيران لصف الحداثة والديمقراطية الذي غادرته.
إن الفئات العسكرية والبيروقراطية أقوى وهي محيطة بأي رئيس كما أن القوى الدينية المحافظة موجودة بثقل كبير، وقد قادت هذه القوى إيران بحماقتها وعدم تبصرها لمثل هذا الاصطفاف الرهيب.
لقد كان نظام صدام حسين أقوى وزعم أشياء كثيرة ثم قـُبر فسياسة العنف والتوسع والدكتاتورية مآلها الفشل.
أخبار الخليج 15 فبراير 2009