في بداية هذا المؤتمر الصحافي أتوجه بالتهنئة لجلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى الخليفة وإلى شعب البحرين بمناسبة احتفالات البلاد بالذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني، وأن أؤكد على أن مبادرة المنبر التقدمي تنطلق من روح وجوهر ونصوص ميثاق العمل الوطني ومن النهج السياسي الذي قاده جلالة الملك، ومن خلاله دخلت البلاد مرحلة جديدة من المصالحة والحوار وإغلاق الملفات الموجعة في هذا البلد ومنها ملف قانون أمن الدولة وما يتصل به من ممارسات ونهج على أصعدة مختلفة.
تنطلق المبادرة مما وجهته اللجنة المركزية لمنبرنا التقدمي في اجتماعها الأخير المنعقد بتاريخي 26 و27 يناير/ كانون أول الماضي من دعوة لمبادرة وطنية شاملة لمنع تدهور الأوضاع في البلاد أكثر فأكثر، بخلق آلية للحوار بين الدولة وكافة القوى السياسية، سواء تلك الممثلة في مجلس النواب أو غير الممثلة فيه، لبلوغ تفاهمات مشتركة ومتفق عليها حول قضايا الإصلاح السياسي والدستوري، وإعادة البلاد مجددا إلى مناخ الثقة الذي عشناه قبل سنوات، وبناء جسور الشراكة بما يحمي البحرين من المخاطر، ويحقق الأمن والاستقرار فيها.
وليست الدعوة إلى الحوار وبلوغ تسويات سياسية وتوافقات حول المسائل الخلافية في البلاد بين الدولة والقوى المجتمعية المختلفة بأمر طارئ وجديد على المنبر التقدمي، فهذا ما حرصنا عليه خلال السنوات الماضية.
مبادرتنا هذه المرة لا تنطلق، إذاً، من فراغ، وإنما تستمد جذورها من منهجنا في العمل السياسي الذي عرفنا به المجتمع والقوى السياسية والاجتماعية، وحتى الدولة نفسها.
وطبيعي أن كل العقلاء والمخلصين في هذا الوطن، في الصحافة الوطنية والجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني، رحبت بهذه الدعوة، لأنها وجدت فيها العقلانية والواقعية اللتين نحتاجهما اليوم وسط الخطاب السياسي المتشنج والتصعيدي من أطراف عديدة في الدولة والمجتمع.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين من إطلاق المبادرة والتفاعل الايجابي المُشرف معها في المجتمع، يرى المنبر التقدمي أن التطورات السياسية والأمنية على الأرض تضاعف أهمية هذه المبادرة، وتؤكد أن ما تنص عليه من أسس ومبادئ يستجيب للمصالح العليا للوطن.
هناك أكثر من عثرة واجهت انسيابية الإصلاحات السياسية في البلد، بينها الخلاف حول الدستور الجديد، وما نجم عن هذا الخلاف من اختيار بعض الجمعيات السياسية المقاطعة في الفصل التشريعي الأول وما نجم عن هذا الخيار من تداعيات.
لكننا نرى أن قرار الوفاق بثقلها الجماهيري الكبير بالمشاركة في انتخابات عام 2006، شكل فرصة تاريخية للتغلب على تلك التداعيات، وخَلْقْ مناخٍ من التفاعل الايجابي لو أن الدولة تصرفت بشكل آخر، لكن الذي حدث، للأسف، هو العكس حيث سعت الدولة بمعونة بعض الكتل النيابية الأخرى إعاقة أي نجاح تحرزه الوفاق على الصعيدين التشريعي والرقابي في مجلس النواب، فضلاً عن التراخي والتهرب من معالجة ملفات مفصلية ظلت بدون حل، رغم أنها داخلة في جوهر المشروع الإصلاحي.
خلق ذلك حالةً من الإحباط والسخط والشعور باللاجدوى في صفوف قطاعات واسعة من الجمهور، خاصة في صفوف الشبان الذين يعانون من التهميش والفقر والبطالة وغيرها من أوجه المعاناة.
غلبت أجهزة الدولة الخيارات الأمنية في التعاطي مع الأمر، ونُثمن هنا التدخلات المتكررة المقدرة لجلالة الملك بالعفو عن المعتقلين أو عمن تصدر ضدهم أحكام من القضاء، لكن أجهزة الدولة المعنية ظلت بعيدة عن القيام بمبادرة عامة تُشرك فيها مختلف القوى من أجل الوصول إلى حلول، حتى لو كانت في منتصف المسافة، بين الفرقاء المعنيين بالأمر.
وقد تفاقم الوضع الأمني في الآونة الأخيرة على خلفية ما عرف بقضية الحجيرة، التي نتجت عنها اعتقالات وتوقيفات، ومن ثم الإعلان عن محاكمات وشيكة، أدت بالنتيجة إلى توترات أمنية جديدة.
من هنا نعلن اليوم الأسس والمنطلقات التي تتضمنها مبادرتنا لإطلاق آلية حوار، نرى أن نتوصل في نتيجتها إلى إعلان مبادئ متفق عليه من جميع الأطراف المعنية، في الدولة وفي المجتمع، يلزم الكل بالتأكيد على مرجعية ميثاق العمل الوطني وعلى الثوابت الدستورية والوطنية التي توافق عليها الجميع.
ويترتب على ذلك التزامات متبادلة على النحو المبين أدناه:
1- تلتزم القوى السياسية والاجتماعية بالمبادئ التالية:
- احترام النظام السياسي في البلاد الذي توافقنا عليه عند التصويت على ميثاق العمل الوطني،
والذي نصت عليه المادة 1 من الدستور.
- ترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والبعد عن الإساءة إليها.
- نبذ كافة مظاهر العنف من حرق وتفجيرات والاعتداء على رجال الأمن.
- التأكيد على سلمية العمل السياسي، والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له، على أن
يترافق ذلك مع استمرار المطالبة بتطوير هذه القواعد والأطر لتنص على مزيد من
الحريات ولترتقي للمعايير الدولية في هذا المجال.
- وقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين، على أساس
انتمائهم المذهبي، وتجريم كافة أشكال التسعير المذهبي والطائفي، من أي جهة
جاءت ومعاقبة من يروج هذه الخطابات.
2- تلتزم الدولة بالمبادئ والأسس التالية:
- إطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين، ووضع نهاية لوسائل التعذيب ضد المعتقلين إثناء
التحقيق، واحترام الضمانات القانونية للمتهمين، وإغلاق الملفات الأمنية الحالية.
- نبذ العنف المستخدم من قبل رجال الأمن، والذي يتخذ في بعض الحالات صفة العقاب
الجماعي للمناطق المكتظة بالسكان.
- ضمان فتح حوار بينها وبين القوى المجتمعية والسياسية حول الملفات موضع الخلاف.
لبلوغ الاتفاق على تلك الأسس والمبادئ المتبادلة سيعمل المنبر التقدمي وفق الخطة التالية:
- الاتصال بالجمعيات السياسية بمختلف أطيافها ومؤسسات المجتمع المدني والاتحادات
الجماهيرية مثل اتحاد النقابات والاتحاد النسائي، وكذلك الشخصيات المستقلة
ورجال الدين ورؤساء تحرير الصحف المحلية، لاطلاعهم على محتوى مبادرته
وأهدافها، وطلب دعمهم لها.
– اللقاء برئيسي مجلس النواب والشورى لتسليمهما المبادرة، ودعوتهما لدعم ما تنطوي
عليه من أفكار وأسس.
– السعي للاتصال بالجهات المعنية في الدولة لإبلاغها فحوى هذه المبادرة.
ويأمل المنبر التقدمي أن نصل في خلاصة هذه الاتصالات إلى تسمية لجنة مصغرة من الشخصيات ذات الخبرة والمصداقية التي تتوافق عليها القوى المعنية، على أن تمثل جميع القوى الفاعلة في المجتمع لا تلك الممثلة في البرلمان وحدها، لأن الخريطة السياسية والاجتماعية في البحرين أوسع وأغنى بكثير.
ويناط بهذه اللجنة المصغرة الدخول في حوار مع الدولة حول المسائل موضوع الاختلاف والتي لم يصر إلى حل لها، في اتجاه تحقيق توافق حول التعديلات الدستورية المطلوبة وتطوير النظام الانتخابي وإلغاء أو تعديل التشريعات المقيدة للحريات وتسوية أوضاع ضحايا مرحلة امن الدولة، وإعادة النظر في سياسة التجنيس المتبعة والنهوض بالأوضاع المعيشية للمواطنين في مجالات السكن والعمل وغيرهما، وتكريس مبدأ المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات.
مداخلة حسن مدن الأمين العام للمنبر التقدمي
في المؤتمر الصحافي بتاريخ 15 فبراير 2009
حول مبادرة المنبر عن الحوار الوطني