هالنا هذا الذي جرى , وصدمنا مرتين , مرة في الفعل , ومرة في رد الفعل, وسيكون من الخطأ الفادح أن نهّون من الأمر في الحالتين , رغم كاريكاتورية المشهد العام الذي يزخر بأمور كثيرة لا تسر, لا ينبغي أن نتعامى عن قراءة رشيدة لها.
بدءاً نتحدث وتحديداً عن مضمون الخبر الذي نشر في صدر الصفحة الأولى بهذه الجريدة في 28 يناير الماضي, فهو خبر بدا غريباً أن يمر مرور الكرام دونما رد أو تعليق من أي جهة كانت , وكأنما ليس هناك ما يستحق التوقف عنده, أو أن ما حدث هو أمر عادي لا يستلفت الانتباه ولا يستدعي التوضيح ولا حتى التبرير ..!!
الخبر يكشف عن هروب تاجر مخدرات عربي من البحرين عن طريق المطار بعد أن قضت المحكمة بمعاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريمه 5000 دينار وإبعاده عن البلاد نهائياً بعد قضاء العقوبة .. !!
الخبر في تفصيلاته يشير إلى أن ذلك الهروب أدى إلى حالة من الاستغراب الشديد جراء ” عدم توفر ضوابط وأنظمة تمنع خروج المحكومين والمطلوبين قضائياً , وتحول دون هروبهم من تنفيذ الأحكام والاستهتار بالقوانين والنظم القضائية “..!!
أياً كانت الخلاصة والاستنتاجات حيال مضمون ذلك الخبر وما يعنيه ذلك , فإنه خبر يفرض علينا أن نستدعي من الذاكرة تلك القضية الشهيرة لتاجر الذهب الهندي الشهيـر ” بكوانجي “واليوم ليس ببعيد عن الأمس , فهذه القضية كانت قد استأثرت باهتمام واسع وملأت المقالات والعناوين مصحوبة بعلامات تعجب كثيرة, وللتذكير فإن هذا التاجر كان قد اقترض قبل بضع سنوات ملايين من الدنانير من بنوك وطنية عدة وهرب بها, وهي قضية المدهش والمذهل فيها حتى الآن تلك الجزئية التي كشف عنها وبكل وضوح الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت في لقاء صحافي نشر بتاريخ 8 سبتمبر الماضي, فالرجل قال: ” بكوانجي هرب من البلاد.. كان قد قبض عليه وتم إحضاره إلى البحرين , وهرب من جديد , ولا نعرف كيف ولأسباب لا نعلمها “..!!
ذلك كلام خطير لا ريب , هو الآخر ما كان ينبغي أن يمر مروراً عابراً لأنه وذاك الحدث يعبران عن وجه من وجوه الخلل والخطأ وربما الفساد في بعض مواقع العمل العام ويوحيان بتساهل لافت في تحديد المسؤوليات والمسؤولين , والغريب حقاً أن الأمر في الحالتين لم يواجه لا بالإنكار ولا بالاستنكار , لازلنا نجد ونلمس في بعض مواقع العمل والمسئولية مظاهر عديدة من أوجه القصور والإهمال والتراخي والتي تتميز ردود الفعل حيالها بإغفال التصدي لها أو تحجيمها وتبسيطها أو الاكتفاء بالعموميات, وذلك كله لا يكفي لإزالة القلق.
مواقع الخلل والتي عوارضها واضحة بدون علاج لعل منها – ونحن هنا لسنا بصدد تعدادها – تلك المحاولات التي تريد أن ننشغل بمشاكلنا عن قضايانا بممارسة السفسطة وخوض المناقشات والآراء والمواقف البيزنطية والمضللة, والصخب الذي لا يجدي نفعاً الذي تعبر عنه تلك التحريضات والاستفزازات والتراشقات والاتهامات والعنتريات والمعارك المفتعلة والعصبيات الطائفية والمذهبية المحتدمة , والانتهازيات السياسية التي نشهدها هذه الأيام من قبل أطراف وقوى وتيارات وكتل تخلق خنادق الفتنة والتباعد بين أبناء الوطن في كل شأن وطني توافقاً مع هوى البعض ممن ألفناهم يتلاعبون بالألفاظ والشعارات ويخادعون ويضللون بالتفسيرات والتبريرات والمواقف المزدوجة ويبنون أمجادهم المزيفة على الخلافات التي تشدد الخناق على المواطن وتجعله متعب بحاضره وقلق على مستقبله.
وبمقدور المرء أن يراجع ويمعن في الكثير من مجريات الأمور والأحداث اليومية, وأيضاً في دلالات ما تكشفه الكثير من الأخبار والتعليقات والتصريحات والمواقف التي منها ما يعبر عن مفارقات لا تخلو من سخرية, وأن هناك طبقة من المسؤولين والسياسيين والنواب من لا يحسنون المسؤولية ولا يحاولون , وجودهم في موقع من مواقع المسؤولية العامة هو في حد ذاته خطأ ومشكلة في آن واحد.
, وكل ذلك يفرض نهجاً جديداً بات ملحاً في التعاطي مع مختلف القضايا و معالجة شئون الوطن والمجتمع إجمالاً , بقدر كبير من الجدية وقدر أكبر من المسؤولية, وقدر أكبر من الوعي بطبيعة ما يجري في واقعنا الراهن, وفي دلالاته وإفرازاته وهي كثيرة وتحتاج إلى دراسة معمقة لصلتها الوثيقة بتراجع قيم ومبادئ لابد أن نحرص على ترسيخها وتأصيلها في مقدمتها قيمة احترام القانون, وقيمة احترام المساءلة والمحاسبة جيداً.
بقي أن نقول أننا في حاجة إلى روح جديدة للمسؤولية في كل موقع, وهذه مسألة لا تحتمل التأويل والمغالطة, لعلنا بذلك نضع الأمور في نصابها الصحيح ونضع أيدينا على أصل الداء, ونوقف هذا التمادي في الأخطاء ليسترد مجتمعنا عافيته .والسؤال .. متى تكون اليقظة ؟
الأيام 13 فبراير 2009