في 26 – 27 يناير/ كانون الثاني الماضي عقدت اللجنة المركزية للمنبر الديمقراطي التقدمي في البحرين دورتها الـ 16 لدراسة الوضع في البلاد وإطلاق التحضيرات لمؤتمر المنبر العام الخامس الذي سيعقد في أبريل/ نيسان المقبل. ولأن المؤتمر سيعقد قريبا فإن مختلف هيئاته ستعكف على إعداد أجزاء الوثائق المهمة التي ستعكس وجهة نظر المنبر حول أوضاع البلاد ومساهمته برؤيته لسبل الخروج من هذه الأوضاع.
غير أن الأمور بلغت حدودا تجعل من الانتظار خيارا سياسيا غير رشيد. ولهذا جاء بيان اللجنة المركزية عن نتائج أعمالها أكثر إسهابا وتركيزا من المعتاد على عدد من القضايا المهمة. ومن بين مجمل القضايا التي تضمنها احتلت مركز الثقل دعوة المنبر إلى «مبادرة وطنية شاملة لمنع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر[1]». وقد اكتسبت في الصحافة تسميات عدة كمبادرة «حلحلة» الأوضاع و«مبادرة المنبر».. إلخ. لكنها ظلت تشغل بال الصحافة المحلية والرأي العام في البحرين طيلة الأسبوع الماضي وحتى مساء البارحة، حيث الندوة المهمة باشتراك حسن مدن، الأمين العام للمنبر ومنصور الجمري، رئيس تحرير صحيفة ‘الوسط’ البحرينية والشيخ صلاح الجودر. أن تفعل ما هو مطلوب بالضبط، رغم أن أحدا لم يطلب منك ذلك، تلك هي المبادرة التي قال عنها الحكماء إنها تحويل الطاقة الكامنة داخليا إلى طاقة عمل هادفة. أما المبادر فهو من يطلق المبادرة منطلقا من ظروف الحاضر بعين ترمي نحو المستقبل. ولهذه الأسباب فإن لكلمة «مبادرة» و«مبادر» رنين خاص يشد الآذان في اللحظات الأولى ويشغل العقول لفترات أطول.
الكثيرون تحدثوا عن المبادرة إيجابا. وقليلون إما تحفظوا أو انتقدوها انتقادا لاذعا، ومهما اختلفت الآراء فإن ما أثارته من اهتمام يعني حاجة السياسيين والناس عامة إلى المضمون الأساسي الذي تتحدث عنه المبادرة : «الحوار البناء».
لنبدأ بالنقد الشديد اللهجة. «عن أي حوار تتحدثون؟» احتجت زميلتنا الكاتبة القديرة سوسن الشاعر في مقال لها بهذا العنوان[2]. بالتأكيد ليس عن الحوار الذي ذهبت إليه الكاتبة في فهمها للمبادرة. بل على العكس وبدقة متناهية. ولنضع نقاطا أكثر على الحروف. إن أهم المثالب التي شابت العملية الديمقراطية هي أن غالبية الحوارات التي سبقت إقرار ميثاق العمل الوطني، وتلك التي أعقبته لم تكن حوارات وطنية عامة للأسف، حتى وإن اكتسبت بعض هذا المضمون. كانت بين طرفين رئيسيين – الدولة ورموز من المعارضة الدينية. وبصراحة كانت بين طرفين لم يمتلكا الطبيعة الديمقراطية، ولا يحسنا استخدام أدواتها. طرفان أرادا الانتقال من علاقة القوة بينهما إلى حالة أفضل: علاقة القانون. هذه العلاقة الأخيرة هي التي ناضلت وضحت من أجلها القوى الوطنية الديمقراطية عشرات السنين. لكنها أسقطت من «الحوار الوطني». ومع ذلك فهي باركت العملية الديمقراطية وعملت على تطويرها بحماس أكثر مما لدى الطرفين «المتحاورين». أما هل يمكن أن يسير حوار واتفاقات في موازاة القانون؟ نعم، بلا حرج، يمكن ذلك. وهو معمول به في أكثر بلدان الديمقراطية عراقة. لا لتجاوز القانون، بل لتدارك ما لم يعالجه القانون بشكل شاف بعد. عادة المجتمعات وحاجات المجتمعات تتطور بأسرع مما يتطور التشريع، ويكون على القانون اللحاق بها. ومن هنا تعمل في تلك البلدان آليات الاتفاق الاجتماعي إلى جانب آليات القانون مع الاحتفاظ بسيادة القانون بالطبع. المسألة هي أن مثل هذا الحوار يجب أن يدور بين جميع أطراف المعادلة السياسية ويخرج بما يخلق حالة توافقية بين الجميع، شريطة ألا تستثني أحدا، بينما تستثني القوة كشكل من أشكال «الحوار». على صعيد الممارسة العملية كانت الحوارات بشكلها الخاطئ الذي أشرنا إليه تسير حتى العام الماضي داخل البحرين وخارجها بين الطرفين. ولا عجب أنه لم، ولن يمكن الوصول إلى حلول سليمة أو حتى ضمان مراعاة طرفي الحوار للاتفاقات التي يتم التوصل إليها بينهما «من دون شهود». عندما طرح المنبر دعوته للمبادرة الوطنية انطلق من أن قوى التيار الوطني الديمقراطي تستطيع أن تلعب دورا أكثر فاعلية من غيرها في إنضاج ظروف الحوار وتحقيق نتائجه المرجوة ما أمكن. وهذا ليس من باب الاعتداد بالذات بقدر ما هو إيمان بهذا الدور كواجب، ونظرا لثقة الآخرين بجدواه. وقد عبر الشيخ صلاح الجودر عن هذه الثقة عندما قال «إننا نعاني من مشكلة في عدم وجود قناة تتولى الدعوة إلى الحوار، والوضع الحالي يؤكد الحاجة إلى مثل هذه المبادرات لفتح القنوات.. نحن بحاجة لجهة وسط غير منحازة لوضع الملفات الموجودة في الساحة وإعادة دراستها[3]». وإلى حد ما كان رأي ممثل جمعية الوفاق الإسلامية السيد هادي الموسوي: «لا إشكال لدينا في أن نقف مع مثل هذه المبادرة التي دعت إليها جمعية المنبر التقدمي[4]». وكذلك شدد الشيخ محمد علي المحفوظ الأمين العام لجمعية العمل الإسلامي: «.. المطلوب أن نسعى للتواصل مع بعضنا بعضاً، ووقف التعامل بلغة الطرشان أو أية لغة أخرى، فبدلاً من تشغيل ماكنة القوة والقوة المضادة والحوارات المتناثرة من هناك، فمن الممكن أن نجتمع لنتناقش بشأنها (أي مبادرة المنبر التقدمي)..[5]». ليست مبادرة «التقدمي» سوى الخطوة الأولى نحو حوار وطني شامل من أجل العبور الآمن للتحديات التي تواجهها بلادنا اليوم. وواعيا هذا الأمر أكد حسن مدن، الأمين العام للمنبر على «أنه حتى لو بدت الظروف غير مؤاتية ظاهرياً للبدء في خطوات عملية، فيجب العمل على تهيئة ذلك، إذ لابد لأي خطوة على الأرض أن تسبقها تهيئة ظروفها[6]». ويبقى الأمل أن تستجيب الدولة لهذه المبادرة، باعتبارها، كما أكد مدن «طرفا رئيسيا، والحوار يجب أن يكون بين الأطراف المختلفة[7]».
[1] بيان الدورة ,16 ل. م. للمنبر الديمقراطي التقدمي – البحرين، 26 – 72 يناير/ كانون الثاني .2009
[2] «الوطن» البحرينية، 5 فبراير/ شباط .2009
[3] ، [4] صحيفة «البلاد»، 3 فبراير/ شباط .2009
[5]، [6]، [7] صحيفة «الوسط» البحرينية، 6 فبراير/ شباط .2009
صحيفة الوقت
9 فبراير 2009