بدعوتها إلى تشكيل مرجعية سياسية جديدة للفلسطينيين بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية ترتكب حركة «حماس» خطأ سياسياً فادحاً، يضاف إلى سجل تقديراتها السياسية الخاطئة، ومن بينها الطريقة التي تعاطت بها مع العدوان الصهيوني الهمجي الأخير على غزة. لقد قطع الفلسطينيون درباً طويلاً شاقاً، لكي يعترف العالم بمرجعية سياسية لهم، هي منظمة التحرير التي تعاملت معها حكومات العالم والمنظمات الدولية، بما فيها هيئة الأمم المتحدة بصفتها ممثلا شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. وقدم الفلسطينيون الكثير من الدماء والدموع والتضحيات والعمل السياسي والدبلوماسي الدؤوب لكي يذهب الراحل ياسر عرفات إلى الجمعية العمومية لهذه الهيئة، ويُلقي فيها خطابه الذي ذاع صيته في العالم من خلال العبارة الشهيرة: «أتيتكم حاملاً البندقية في يد وغصن الزيتون الأخضر في يدي الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي». لا نعلم إذا كانت حماس ومن يناصرها من تنظيمات وقوى، فلسطينية وعربية، تدرك أنها بدعوتها لإيجاد مرجعية بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ترتد على واحد من أهم مكتسبات الشعب الفلسطيني السياسية ذات الأهمية التاريخية، وتقدم خدمة مجانية لإسرائيل التي ستكون المستفيد الأكبر من تعدد المرجعيات الفلسطينية وتشظية القرار الفلسطيني إلى مجموعة قرارات، وتكريس وقائع ميدانية على الأرض تسمح لها بالتهرب من الضغوط الدولية عليها تحت ذريعة: مع مَن مِن الفلسطينيين نتفاهم أو نتفاوض، طالما كانت هناك أكثر من مرجعية. ومن المحزن ألا يقف الأمر عند حدود الدعوة إلى إيجاد مرجعية ثانية إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية، وإنما يبلغ حد اعتبار حركة حماس وحدها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، على نحو ما يطالب به «الإخوان المسلمون» في الأردن اليوم. وهو أمر لم تدعيه لنفسها حتى حركة فتح عندما كانت في كامل جماهيريتها وقوتها ونفوذها، حين حرصت على إدماج أكثر التنظيمات الفلسطينية اختلافاً معها في إطار منظمة التحرير، التي لم تكن تمثل «فتح» وحدها، مع ما لهذه الأخيرة من سطوة ونفوذ في المنظمة. الدعوة إلى مرجعية ثانية، أو بديلة، هي خطوة تصعيدية خطرة في اتجاه تعميق الانقسام الفلسطيني، بل انه سيجعل من الأمر أعلى من مجرد انقسام حول السلطة ليشمل مجموع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهو تصعيد يأتي على النقيض تماماً من المنطق الداعي لاستخلاص الدروس المُرة من العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني في غزة الذي شنته آلة الحرب الصهيونية، منطق العمل على وحدة الصف الوطني الفلسطيني في إطار مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية، التي، رغم كل الأخطاء والتجاوزات، تظل الإطار الذي يضم غالبية الفضائل الفلسطينية. وليس أمراً غير ذي مغزى أن الدعوة لقيادة بديلة لمنظمة التحرير ترافقت مع تصريح المبعوث الأمريكي الجديد جورج ميتشيل إلى الاتصال مع العنوان الصحيح والى عدم تجاهل المقاومة، في إشارة واضحة إلى استبدال التمثيل الرسمي الفلسطيني. والمقاومة حق شرعي لكل شعب احتلت أرضه وسُلبت حقوقه، فما بالنا بالشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ أكثر من ستة عقود من الاحتلال والعدوان والحصار والتشريد، فمن حقه استخدام كافة أشكال النضال، بما فيها النضال المسلح، لكن المقاومة، بكافة أشكالها، بما فيها المقاومة المدنية والسلمية، ليست حكراً على حماس، وإنما هي تراث ورهان لكل الفلسطينيين الحق فيه.
صحيفة الايام
9 فبراير 2009