علينا أن نلاحظ ونتنبه إلى أنه في الوقت الذي أقر فيه مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي « الاستراتيجية التنموية الوطنية لتطوير العمل الاقتصادي والاجتماعي والحكومي للسنوات 2009 – 2014 « المنطلقة من الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 والتي ذكر بأنها تستهدف 3 محاور رئيسية هي تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين الإنتاجية والمهارات, وتطوير وتنويع الاقتصاد, والتركيز على القطاعات الاقتصادية المستقبلية الواعدة.
في هذا الوقت كان هناك توجس وقلق من مستقبل غامض بات يواجه أوساطا من التجار والصناعيين والعديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, ومبعث هذا التوجس والقلق الذي يراه البعض بأنه يتجاوز كل التوقعات, تلك الإجراءات والقيود التي أصبحت تفرضها المصارف على التسهيلات الائتمانية وزيادة كلفة الإقراض وكأن هذه الخدمات قد نضبت أو على وشك النضوب, بشكل أصبح يضرب بعرض الحائط خططا وبرامج وتطلعات ومصالح تلك الأطراف بل ومصلحة الاقتصاد الوطني.
لذلك لا ينبغي أن يمر تحذير رئيس الغرفة التجارية د. عصام فخرو من تبعات تضييق منافذ التسهيلات والخدمات للقطاع التجاري, لا ينبغي أن يمر مرور الكرام, خاصة اذا كانت هناك تجارب عديدة ومريرة مرت بها أوضاعنا الاقتصادية قد أثبتت أن المشاكل الاقتصادية تكون في حقيقتها أكبر وأعمق مما توحيه مؤشراتها في مراحلها الأولى, وان استمرارها والتباطؤ في التصدي الجريء لها والتردد في اتخاذ وتنفيذ القرارات المناسبة لمعالجتها يزيدها تعقيداً وتكلفة, فإن ذلك مدعاة بأن لا نجعل ذلك التحذير يمر مرور الكرام , أو نظل نغض الطرف عن هذا الذي يجري الآن بين المصارف والقطاع التجاري, لأن ذلك لا يخدم الاقتصاد الوطني ولا يدعم مشاريع نموه المستقبلية.
بوسع المتابع أن يتوقف عند أكثر من نقطة جوهرية سواء على صعيد ما قاله رئيس الغرفة, أو على صعيد واقع الحال الراهن الذي يبدو أنه بات يفرض علينا ترشيداً في الطموحات فيما يتعلق بالمسار الاقتصادي والتنموي, والرؤية الاقتصادية المستقبلية, واذا أردنا أن نتوقف تحديداً عند نقاط معينة فسنتوقف عند التالي:
– أن المؤسسات المصرفية تبالغ في تبني إجراءات احترازية بعد الأزمة العالمية, وأن الكثير من التجار والمؤسسات والشركات, وبالأخص الصغيرة والمتوسطة منها والتي تشكل أكثر من 70% من البنيان الاقتصادي قد دخلت في مرحلة حرجة وباتت عرضة للتعثر, وذهب البعض إلى أبعد من ذلك حينما حذر من توقف أعمال وإفلاس بعض المؤسسات والشركات جراء القيود غير المسبوقة من قبل المصارف على الائتمان والإقراض.
– أن النظام المالي في البلاد كما يطرح الآن وبدرجة عالية من الثقة لا يزال قوياً وأن المصارف باعتراف الكثير منها لديها السيولة الكافية التي تمكنها من الاستمرارية في أداء دورها, وهو أمر أكده رئيس الغرفة, ومن الخطأ الفادح التخلي عن هذا الدور الآن, لأنه سيؤدي إلى الكثير من السلبيات التي يبدو أنها لم تشخص, وهي بالنهاية ستلقي بظلالها ليس على القطاع التجاري فقط, وإنما حتى على المصارف, لأن التضييق على المؤسسات التجارية والصناعية وجر بعضها على مشارف الإفلاس سيولد أزمة هي الأخرى تلد أزمات, الأمر الذي لا يخدم مصلحة هذه المصارف, ولا الحركة الاقتصادية برمتها الآنية والمستقبلية.
– أن من حق المصارف أن تتخذ إجراءات احترازية للمحافظة على أموال المودعين , ونعلم أنه يخطئ كثيراً من يظن أن الأسوأ اقتصادياً قد مر على البحرين والمنطقة بنهاية 2008 وأن المرحلة مرحلة تعافٍ ونهوض, ولكن الاقتصاد البحريني باعتراف رئيس الغرفة وغيره من الشخصيات الاقتصادية لا يبعث حتى الآن على القلق الذي يستدعي من المصارف أن تسارع في تبني موقفها المتشدد الراهن, الذي حتماً سوف يعجل نحو تعثر مالي كبير لأفراد وشركات تصل إلى حد الإفلاس والانهيارات, وهذا هو الجانب السيئ من الأزمة, والأسوأ تجاهل تبعات ذلك, ثم الأسوأ أن تقف جهات الاختصاص موقف المتفرج مما يجري دون أن تبحث وتتدارس «أفضل الممكن», لأنه في ظروف كهذه وضغوط غير مسبوقة لا يمكن تحفيز النمو الاقتصادي ولا تحقيق ما جاء أدنى الطموحات التي وردت في الرؤية الاقتصادية.
– بقي التأكيد على أن القطاع الخاص والمؤسسات المصرفية هي حقاً كما قال رئيس الغرفة القاطرة التي تشد عملية الاقتصاد إلى مزيد من التنمية والتقدم, وحتى لا نسترسل في التشاؤم حيال الأوضاع المستقبلية للشركات والشركات الوطنية,
رغم ما قد يعده البعض ذلك نوعاً من السذاجة المفرطة, خاصة وأن حجم وطبيعة التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية مازالت محل تباين في وجهات النظر, فإن دعوة الجهات الرقابية وتحديداً مصرف البحرين المركزي بأن يبحث بمنتهى الجدية الوضع القائم مع المؤسسات المصرفية وأن يقدم المزيد من التسهيلات وأن يتخذ الإجراءات التي تبث لدى المصارف الطمأنينة التي تجعلها تستمر في اداء دورها دونما خوف يضطرها إلى فرض شروط تعجيزية حتى المواطن العادي بات متضرراً منها وخلقت بالنهاية أزمة شديدة الوطأة عليه.
أخيراً .. لا احسبني بحاجة إلى القول أن ما يفصل بين النجاح والإخفاق في أي معالجات هو سرعة القرار, وأن حراجة الوضع للحالة الحاضرة لا تسمح بهدر الوقت والانزلاق في متاهات تبني إجراءات أو سياسات غير واقعية وغير فعالة ومكلفة ومعرقلة للنمو الاقتصادي الحقيقي.
الأيام 6 يناير 2009