تعرفت قبل سنوات أنا و مجموعة من الصبية والفتيات المولعين بالمسرح على شخصية فريدة تولي إهتماماً بالشباب وتحاورهم بالسؤال المستفز للوعي والمخيلة وتبث فيهم الثقة بالنفس وتحثهم على التعبير عن آرائهم ومجادلة السائد من واقعهم.
كانت تلك الشخصية هي الأستاذ يوسف الحمدان الذي وضع طريقي على الكتابة قبل سنوات حينما قال لي “أرى فيك مستقبل كاتبٍ متميز.. أكتب رأيك وسأساعدك على نشره” . وعليه كتبت أول مقال لي في صفحة ملتقى الشباب الثقافي التي كان يشرف على تحريرها الاستاذ يوسف الحمدان ..
أضع هذه المقدمة لأبين مدى تقديري وإعتزازي بما بناه يوسف الحمدان في شخصيتي قبل أن أكتب مقالاً بنيته رداً على تساؤلات الحمدان الواردة في مقاله المنشور في العدد 1153 من صحيفة الوطن الصادرة يوم الخميس الموافق 5 فبراير 2009 بعنوان ” عن أي يسار نتحدث” .
قال لي صديق الطفولة وأسمه قاسم وهو عامل بسيط يقرأ في التاريخ والجغرافيا من وقت لآخر ويتسم بصفات نقية وبريئة رغم شكله الذي يوحي بغير ذلك قال ” اليسار زين أو مو زين” فأجبته ساخراً.. وكيف يكون ذلك.
فرد قائلاً:” لقد أطلعت بشكل عام على أفكار اليسار ووجدتها أفكاراً نزيهة وعظيمة.. لكني لم أجد واحداً ممن ارتبط اسمهم باليسار ممثلاً لتلك الافكار، بل هم على العكس انانيون، سلطويون، يحتقرون البشر الاقل منهم مادة وثقافة ويبجلون اصحاب المادة والنفوذ”.
حيرني أمر قاسم كثيراً وراودتني هذه التساؤلات لعلها تجيب على تعليق صديقي قاسم الذي لم أخنه يوماً ولم يخني: عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه اليساريون ملحقين بمشاريع السلطة ومروجين لحداثتها وتنورها؟! عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه اليساريون مهرولين نحو المادة وإن كان مصدرها جهة جلدت وأغتالت رفاقهم؟! عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه الدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة إرهابا؟! عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه اليساريون يغلبون كفة القمع والمحسوبية والفساد على كفة النضال؟! عن أي يساري نتحدث حينما يصبح نقد الاستبداد والظلم تهوراً؟! عن أي يساري نتحدث حينما تصبح القنابل الامريكية مدخلاً للديمقراطية والحداثة؟! عن أي يساري نتحدث حينما يتحول النضال الجماهيري إلى تنظيرات وصفصفة للكلمات المنمقة تحت اضاءة ليلية خافتة؟! عن أي يساري نتحدث حينما يرتكز تحليلنا للواقع على مصالحنا الشخصية الضيقة؟! عن أي يساري نتحدث حينما يزج بثلة من الرفاق في الصراعات السياسية بينما يكتفي الباقي بقضاء وقتهم ليلاً بالنقد الجارح؟! عن أي قائمة لليساري نتحدث حينما يفقد الناس الثقة بمبادئ اليسار ويجدون فيهم مجموعة من الانانيين المكيفيين لتحليلاتهم ونقدهم وفق ما يتناسب مع مصالحهم الشخصية؟! عن أي يساري نتحدث حينما يستميح اليساري لنفسه العذر لغفران ذنب من عذب وجلد ويتم واغتصب، ولا يكلف نفسه لحظة لاستيعاب ظروف شعبه؟! عن أي تاريخ لليسار المجيد والعتيد نتحدث بعدما تبدلت الوجوه ونثر التراب على أجساد المناضلين وحل محلهم المتسلقين الداعين لمواقف أكثر إعتدالاً وفق مقاييس تمييع الخطاب بما يتناسب مع أرباب نعمتهم. حي على اليسار فهو يساوي في معناه العدالة والصدق والتفاني من أجل المجتمع.
خاص بالتقدمي
5 فبراير 2009