إذا شاء المعنيون أو من لهم علاقة أو تجربة أو إحاطة كافية أو اطلاع على الدخائل وبواطن الأمور حيال ما بات يعرف بــ ” فساد الكهرباء ” من أصحاب أعمال وعقارات واستثمارات وهندسة واستشارات وغيرهم, ممن عانوا مّر المعاناة من تعطيل أو إعاقات مفتعلة أرادت أن تحول دون حصولهم على حقهم في خدمة أو مصلحة, أو معاملة, إلا إذا دفعوا ” المعلوم ” أو ” الرشوة ” لا فرق لمن هم ضالعون في الفساد في أحد أهم المرافق الخدمية وأكثرها حساسية .
إذا شاء هؤلاء المضي قدماً على طريق الجد, فعليهم أن يباشروا عملاً نوعياً يضع حداً لوقائع ومفاعيل الفساد أو على الأقل تقليص مساحاته إلى أدنى الحدود , وهذا في حد ذاته انجازاً عظيماً لا ريب , وكل ما هو مطلوب من هؤلاء ألا يكتفوا بأن يستقبلوا بترحاب هذا الذي قاله الوزير فهمي الجودر بصفته المعني بشؤون الكهرباء, وإنما عليهم أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك وأن يحسنوا قراءة دعوة الوزير ويتفاعلوا معها ويستجيبوا لها , فهي دعوة تستوجب أن يكون لها صداها خاصة في أوساط مـــــــــن ” تلطموا ” على أبواب بعض من هم في وزارة الكهرباء سابقاً, أو هيئة الكهرباء حالياً ممن سخروا مواقعهم للترويج, وسيكون أمراً محزناً لا ريب وسيئا في ذاته إذا بقيت هذه الدعوة دون أصداء تذكر لاسيما ممن يفترض أنهم أول المتفاعلين والمتجاوبين.
لسنا بحاجة إلى ترديد ما يتم تداوله في خصوص مظاهر الفساد في الكهرباء, وأحسب أن من بين أبرز هذا المتداول ما يتصل بتلك الإعاقات التي تحول دون توصيل الكهرباء إلى بعض المشاريع والتي اضطر أصحابها إلى دفع ” المعلوم ” لكي يتفادوا خسائر مالية لا يستهان بها, نقول لسنا بحاجة إلى ذلك, ولكننا بحاجة إلى ترديد وتأكيد دلالات دعوة الوزير الجودر أمام مجلس النواب قبل نحو أسبوعين حيث دعا إلى مساعدته على محاربة الفساد في الكهرباء, وهي دعوة أهم ما يعنينا فيها ما يلي:
– أنها تبرز نموذجاً من الوزراء يذهب في المصارحة إلى حد الاعتراف بالفساد, وهذا في حد ذاته أمر لافت وباعث على التقدير والتفاؤل.
– إن دعوة الوزير نستشعر بأنها تحمل في طياتها رغبة غير مراوغة في التعاطي بشيء من الجدية مع ملف الفساد في ذلك المرفق المهم والحساس.
– إن من يتمتعون بموهبة التقاط الإشارات سوف يفهمون حتماً إشارة الوزيـــر «بالابتعاد عن الكلام العام المتواتر عن الفساد بالكهرباء», ومطالبته الجميع بتقديم أسماء ومعلومات ذات صلة بالفساد والمفسدين في الكهرباء, والذين غدت الرشوة ضمن ممارساتهم المألوفة, كما لو كانت المقابل المشروع لخدمة معينة أو أجراً عن عمل معين, وذلك كي يستطيع الوزير أن يعالج ويطور ويواجه ويحارب الفساد, لأن الكلام العام كما قال «لا ينفع ولا يجدي في محاربة الفساد», وهي إشارة تفرض على من عانوا من فساد الكهرباء أن يتحملوا مسؤوليات التصدي ضد هذا الواقع الفاسد, فهم يعلمون كل شيء عن الرشوة والمرتشي والمتربحين من وظائفهم العامة, والقوى الفاسدة والمفسدة.
– ثمة ما ينبغي التنبه له من كلام الوزير الجودر حينما يؤكد بأنه لن يقبل بوجود شخص مفسد أو قضايا فساد, وأن المال العام له حرمة يجب عدم المساس بها, ويكشف عن إحالة (9) من المسؤولين والعاملين إلى النيابة العامة على خلفية قضايا فساد, وهذا كلام مهما كانت طبيعة التحليلات أو الاستنتاجات حوله يستدعي بأن يوضع الوزير على محك التجربة, وفي نفس الوقت وضع الآخرين من المعنيين والمطلعين على دخائل وبواطن الأمور أمام مسؤولياتهم في مقارعة الفساد المالي والإداري في جهاز الكهرباء, وتسليم الوزير ما يثبت فساد هذا المسؤول أو ذاك.
– أيضاً على الجميع التنبه بأنه ليس الموظف المرتشي وحده مسؤولاً عن الفساد ومظاهر الخلل والانحراف, وإنما الراشي أيضاً لأن هذا الأخير لا يخالف فقط القوانين, بل أنه يتجاهل أو يتحدى ضمير الجماعة أي ضمير الشعب, وهذا أمر لابد أن يحفز على التجاوب مع تلك الدعوة.
– بقي أن نقول .. بأنه اذا كان علينا أن نستقبل ما قاله الوزير الجودر بترحاب, وتأييد فإننا بالمقابل نجد أمامنا حالة أخرى تبعث على كثير من الدهشة والاستغراب, وأمر يستحق التوقف والتساؤل, فالوزير الجودر وأمام مجلس النواب في الثاني من ديسمبر الماضي تحديداً نفى عدم صحة ما تردد عن وجود فواتير كبيرة لبعض الأشخاص من دون إلزامهم بدفعها, وأنه في لفتة لها معناها يمضي إلى القول بأن «على المواطن أن يدفع طالما أنه يحصل على خدمة وإلا يتم إيقافها عنه, وأنه لا يوجد مبرر لعدم تسديد فواتير الخدمة» , وفي نفس الوقت يحيرنا أن يقرأ تصريحاً لأحد أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية في وضع الكهرباء يكشف عن وجود فاتورة كهرباء حديثة لأحد الفنادق تفيد بتخلف الفندق عن تسديد 797 ألف دينار عبارة عن متأخرات على مدى سنوات طويلة, ولأن الجهة المعنية لم تصدر تكذيباً أو تصحيحاً وكأنها لم تقرأ أو تسمع فسيكون لنا العذر إن صدقنا هذا الذي قيل ونشر.
هذا الذي قيل أن صح فإن الجوهري فيه أنه يأخذ هو الآخر منحى فساد, ينبغي ألا يسكت عنه و عموماً المشهد حافل بما يستحق أن يؤخذ على محمل الجد, ليس على صعيد شؤون الكهرباء فحسب, وإنما على مختلف الصعد والشؤون العامة.
الأيام 30 يناير 2009