ليس الرئيس أوباما رجلاً مجرداً مثل السوبرمان بل هو رجل مرتبط بقوى شعبية ورأسمالية واسعة ديمقراطية وجدت في حزب الجنرالات وقادة شركات السلاح والنفط ضرراً لبلدها، وهي تعمل لأجل إخراج بلدها من هذا المأزق.
وهذا لا يعني كذلك عدم وجود إيجابيات في العهد السابق، ولولا ذلك لما وجد واستمر، لكن السلبيات التي وسعت الحروب وأهدرت فرص التنمية المنتجة ونشرت اقتصاد السلاح والبذخ والتهريب والمخدرات والفوائد المالية المجحفة، كل هذه أدت إلى انتفاضة الشعب الأمريكي.
ومن هنا فإن عقلية الخيال الشرقية المجردة والمجسدة في الصراع بين الإله والشيطان، الأبيض الناصع والأسود القاتم، لا تصلح في تحليل الحياة السياسية المركبة المعقدة، وهو كذلك تقسيم عنصري لوني.
وهي رؤية تنص خاصة بأن كل شيء جاء من أمريكا هو ظلام ودنس، وكل ما صدر منا فهو طهر ونور!
إن الأمر المحوري يتعلق بإرادة الأغلبية الشعبية ومدى توحدها وفهمها لاتجاه التقدم وكيف تصعدُ برنامجاً ورمزاً مركزياً تلتفُ عليه.
ويمثل الحزبان الديمقراطي والجمهوري قوى الشركات الخاصة والمنظمات المدنية والقيادات العمالية النقابية، وتلعب الشركات النفطية والعسكرية إرادة متنفذة بينها، وهي الطبقة المسيطرة على الحياة السياسية، وهي تعاود الهيمنة على الحكم بعد كل ضربة تتلقاها كصعود روزفلت وجون كيندي وكلينتون، وهو الاتجاه الاستثنائي في سياسة الحكومات الأمريكية، لكن الاتجاه السائد هو كل الرؤوساء الآخرين!
كان الصقور عموماً من الحزب الجمهوري، وهم يتسلمون الحكم عادة بعد ازدهار يصنعه الديمقراطيون ويوجهون البلد لصالح كبريات الشركات والأغنياء، ويوسعون الحروب، ولكن هذا لا يعني عدم وجود استثنائيات في الجمهوريين فنكسون أقام العلاقات الكبيرة مع الصين وصنع السلام مع فيتنام.
والصقور والحمائم الأمريكية تكون طبقة واحدة، لكن لها مستويات واتجاهات، وبعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فإنها هي التي تتحكم في المصائر السياسية، ومدى تطور الإنتاج والصراع مع القوى الرأسمالية الكبرى في الخارج يحدد توجهاتها.
فليست هناك مسائل شخصية محضة في هذه السياسة، ويتوقف الأمر هنا على انتماء مؤسسة الرئاسة لإحدى التيارات في الطبقة السياسية المتحكمة وعلى مدى قبول المجمعات العسكرية والصناعية والمالية الكبرى بهذه السياسة.
إن الاتجاه الاستثنائي اتجاه الحمائم لا يتحقق إلا بظروف كبرى تجعل (الأمة) الأمريكية تتوحد ضد حكومة سلبية تجاه مصالحها وتعرضها لكوارث وطنية.
وهكذا فإن أوباما يغدو استثنائياً، فهو لحظة خاطفة في السياسة الأمريكية الحكومية، حين اتفقت أغلبية الشعب على تغيير حكم الرئيس بوش.
وربما بعد سنوات قليلة يُطاح به أو يتم اغتياله وغير ذلك من البرامج المعدة من قبل الطبقة الحاكمة الحقيقية!
وسوف يتفجر في وجهه الكثير من الملفات، ويظهر متطرفون في كل مكان وربما بأشكال هائلة حادة، وخاصة من منطقة المشرق، حيث هنا شبكات متخصصة ومترابطة مع الطبقة الحاكمة في أمريكا.
ستتوجه المخططات ضد الرئيس أوباما لجره لسياسة الحروب بقوة، وسيتفجر العراق بقوة أكبر من السابق، وسيبقى لبنان وفلسطين ميدانين مفتوحين لكسر (الإنسانية) الظاهرية للديمقراطيين، وجرهم لتأييد الأعمال الوحشية للصهيونية وغيرها من القوى المطلقة السراح من قبل الغرب غير الديمقراطي.
لقد فهمت حكومات المشرق الشمولية ظاهرة فوز أوباما بشكل خاطئ، فهي اعتبرتها انتصاراً لإرادتها، وليس لصعود إرادة الأغلبية الديمقراطية الأمريكية، فهي لا تفهم أن التاريخ تكتبه الشعوب، فالتاريخ لديها مؤامرات واغتيالات، ولهذا فإنها تريد تراجعات من السياسة الأمريكية ضد برامجها في التسلح والهيمنة المناطقية.
ولهذا فإن سياسة أوباما على العكس ستتوجه لتعزيز التجارب الديمقراطية في المنطقة، واستمرار ملاحقة الارهاب، ولهذا سوف تصطدم بالدول المتحجرة في سياستها.
وهي فرصة لهذه الدول في التغيير، والحوار مع العالم ومع الإدارة الأمريكية الجديدة، لتزيل بعض الصدأ في أنظمتها البيروقراطية، ولا شك إن إدارة أوباما ستطرح مبادرات جديدة في علاقاتها مع هذه الدول وتتجاوز المواقف الجادة غير المرنة لبوش وقيادته، وهذا كله سوف ينعكس على تطور الأسواق واتساع الفرص فيها والتوجه نحو الجوانب الإنتاجية.
ربما حتى بعض الدول العربية في محور الاعتدال ستتعرض لضغوط من أجل تطور حقوق الإنسان فيها، وخلق ديمقراطية قريبة من الموديلات الغربية.
كما أن سياسة التوتر مع دول الشرق الاشتراكية السابقة سوف تخفت وتتطور مشروعات التعاون.
لكن إذا لم تقم هذه الدول المشرقية خاصة بحوارات ومبادرات تعكس حسن نياتها ورغبتها في الاندماج بعالم اليوم الديمقراطي، فسوف تحدث صراعات حادة وربما مواجهات، ولن تقف القوى غير السلمية في الولايات المتحدة نفسها من دون تحريك الصراعات وإشعال التوتر في العالم.
سوف تشتعل فلسطين كالعادة لاختبار نيات أوباما ومدى قدرته على لجم العدوانية الإسرائيلية وانسحابها من الأراضي العربية المحتلة. مثلما أن منطقة إسرائيل تغدو إثارة للتطرف في إدارة أوباما وسحبها للمواقع العسكرية المتشددة وسيتكفل بعض الأطراف الإقليمية بذلك.
صحيفة اخبار الخليج
25 يناير 2009