المنشور

حديث في الهويات

للدكتور على أسعد وطفة بحث عن «نسق الانتماء الاجتماعي وأولوياته في المجتمع الكويتي المعاصر: مقاربة سوسيولوجية في جدل الانتماءات الاجتماعية واتجاهاتها». هذا البحث مهم، خاصة إذا نظرنا إليه من زاوية أشمل تتخطى الكويت كمجتمع وبلد، فرأينا في منهجه وخلاصاته ما يعين على فهم التحولات في مفهوم الانتماء والهوية في المجتمعات الخليجية خاصة وفي المجتمعات العربية عامة، ووجدتُ فيه ما يُعين على الذهاب نحو رصد مثل هذه التحولات في المجتمع البحريني، خاصةً في مرحلة الحراك السياسي – الاجتماعي النشطة حالياً. يلاحظ الباحث أن دراسته بينت وجود فروق دالة إحصائيا في بعض المستويات، بينها على سبيل المثال: إن الإناث أكثر تشدداً وحماساً للانتماء الديني أكثر من الذكور، وان الذكور أكثر حماسة للقبيلة والوطن من الإناث، وان أبناء محافظات بعينها (الجهراء والأحمدي) بدوا أكثر حماسة للقبيلة من أبناء محافظات أخرى (حولي والعاصمة). التعميم عادة منبذوة ، فالأجدى القيام بدراسات ملموسة عن الحالات العيانية، وإجراء المزيد من التشخيصات المشابهة عن واقع الحال في المجتمعات الخليجية الأخرى، يتعين إجراء دراسات ميدانية كتلك التي قام بها الدكتور وطفة. في البحرين اليوم يحتدم نوع من الجدل حول المكونات المختلفة للمجتمع القائم أساسا على ثنائية مذهبية سنية – شيعية، وبالنظر إلى خصوبة الحراك الاجتماعي – السياسي فان المجتمع انفرز أيضا إلى قوى حداثية تتخطى الإطار الطائفي أو المذهبي الضيق، بحيث يمكن أن نطلق عليها قوى عابرة للطوائف، والى قوى محافظة، تدفعها محافظتها للمزيد من التخندق داخل الصدفات الضيقة لطائفتها أو مذهبها. تُظهر تجليات هذا الجدل حول القضايا التي يمكن أن تلتبس بجوانب شرعية أو ذات طابع ديني مثل قضية قانون الأحوال الشخصية، ففي حين تدافع الحركة النسائية والقوى الحداثية عامة عن ضرورة تقنين أحوال الأسرة والمرأة بقانون عادل يحميها من أوجه العسف في الحياة وفي المحاكم أيضا التي غالبا ما تخضع حكامها لأهواء رجال الدين من القضاة في غياب التشريع الواضح، فان القوى المحافظة تعتبر هذا الموضع خطاً أحمر على السلطة التشريعية ألا تقترب منه بوصفه حيزا خاصا برجال الدين وحدهم. ما هو جوهري في الأمر وجود هويات، أو فلنقل انتماءات توخياً للدقة متعددة للفرد الواحد، وبالتالي للفئات الاجتماعية المختلفة، وفي حال مثل هذه يتعين على السياسيين العمل على دمج هذه الانتماءات المتنوعة من أجل الوصول إلى هوية مشتركة تمثل مصالح الجماعة بانتماءاتها المختلفة، ذلك ان الهوية المشتركة لا تعني إزالة الانتماءات الفرعية أو الجانبية، لأنها في ظروف مجتمعاتنا اليوم انتماءات أصيلة ذات طبيعة ثقافية راسخة في طبقات الوجدان، بحيث يستحيل إزالتها بقرار أو برغبة. والأمر ناشئ، من بين عوامل أخرى، إلى حقيقة تعايش بُنى اجتماعية مختلفة أو متنوعة في المجتمع الواحد، ينتسب بعضها إلى مراحل تاريخية سابقة، وقد تضعف بعض هذه البنى أو تتآكل صلابتها في الواقع، لكن تأثيرها بوصفها مكونات ثقافية، يظل وطيداً وقوياً وفعالاً في الأذهان، وبالتالي فإنها قادرة على الاستمرار في تقديم هوياتها الثقافية الفرعية متحاشية الانصهار في بوتقة واحدة داخل المجتمع، لا بل وعاملةً بوعي وبدرجة مُلفتة من التنظيم في مقاومة عملية الاندماج.
 
صحيفة الايام
25 يناير 2009