لقد طرد شافيز السفير الصهيوني فمتى تفعلون ذلك أيها الحكام العرب؟”.. هذه العبارة التساؤلية أطلقها رئيس بلدة البيرة.. اشادة بمواقف الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الوطنية والمبدئية والاخلاقية والتاريخية في دعم القضية الفلسطينية.. ومناصرة لشعب قطاع غزة البطل في مواجهته ابشع الجرائم الصهيونية التي يندى لها جبين الانسانية..
إن مصداقية المواقف الوطنية الشجاعة لفنزويلا، قد أماطت اللثام عن المواقف المتخاذلة للأنظمة العربية.. وبقدر ما اكد رئيسها الاشتراكي هوجو شافيز مواقفه المبدئية المتسمة بسمو القيم الوطنية والاخلاقية، وارتقائها بعلاماتها المضيئة نحو الثريا وسماء المجد والحرية عاليا.. فإن مواقف الحكام والزعماء العرب واهنة انهزامية في انحدارها نحو الثرى وقاع الارض ملوثة بدوس الاحذية والاقدام.
ولعل ما يبعث على فخر الشعوب قاطبة ان مواقف فنزويلا ازاء مأساة وقضية غزة، هي ليست بالمواقف الجديدة، وانما هي مواقف مبدئية شجاعة تمثل امتدادا للمواقف المبدئية الأممية لزعيمها هوجو شافيز حول نضالاته المعارضة للحرب الامريكية على العراق والهجوم الصهيوني على لبنان 2006، التي في ضوئها اتخذ شافيز موقفا وطنيا مشرفا في دعمه قضية وشعب لبنان، وذلك بسحب سفير بلاده انذاك من اسرائيل.. مثلما طرد السفير الاسرائيلي من بلاده في 6 يناير 2009 شجبا واستنكارا للمجازر الصهيونية الجماعية بحق المدنيين المتواصلة ليلا ونهارا في قطاع غزة.
وهكذا المناضل الرئيس اليساري البوليفي (ايفو موراليس) قطعت بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، تضامنا مع شعب فلسطين، سيرا على خطى رفيق دربه شافيز، ليسجل الرئيس البوليفي موقفا وطنيا وأمميا واخلاقيا، داعما لقضية غزة، بل القضية الفلسطينية برمتها.
الرئيسان (شافيز وموراليس) ضربا النموذج الوطني المضيء الذي عجز عن تحقيقه او تطبيقه الزعماء والحكام العرب، طالما ظلوا على كراسي المتفرجين، ان لم يحيكوا الدسائس والمؤامرات على القضية الفلسطينية في السر ومن وراء الكواليس.
إن المناضلين الماركسيين شافيز وموراليس، مرغا رؤوس عصابات المافيا الصهيونية من قيادات الكيان الصهيوني في الاوحال والمستنقعات.. بينما زعماء وحكام الدول العربية اخذوا يتوسلون بانكسار مجلس الامن لوقف القتال في قطاع غزة، ويستجدون بانهزام الادارة الامريكية الى حد فقد ماء الوجه وبيع الكرامة ازاء الكثير من قضاياهم المصيرية.
فنزويلا وبوليفيا اللتان في اقصى الكرة الارضية، وتفصلهما البحار والمحيطات عن رقعة الوطن العربي بآلاف الأميال.. بعيدتان عن جغرافيته وتاريخه ولغته سوى النظرة الأممية الماركسية التي دفعت بهما الى الارتقاء بنبل المواقف وسمو المبادئ.. بينما الوطن العربي الذي تجمعه قواسم مشتركة وقضايا مصيرية ومعايير محورية وهي اللغة والتاريخ والجغرافيا والقضايا الوطنية المفصلية، قد تخلى لشديد الاسف عن قضيته المركزية وهي القضية الفلسطينية.. وذلك انعكاسا لسياسات استبدادية لحكومات اوتوقراطية، فصلت مواقع الانظمة الرسمية عن مواقع الجماهير الشعبية بسدود منيعة وحواجز سميكة، مثلما فصل الزعماء والحكام العرب القضية الفلسطينية من خلال اجندتهم وسياساتهم في زوايا الاهمال والتهميش والنسيان، والمحاباة والمزايدات والخطب العصماء شكليا والخاوية جوهريا، والتصريحات والبيانات التسويفية والتضليلية.. لتظل القضية الفلسطينية قضية ثانوية على هوامش البيانات وهوامش اللقاءات والمؤتمرات.. وهوامش القمم.. بل حروب القمم.. وانقسام القمم ضمن انقسامات عربية بلغت أوج التمزق وذروة التشرذم.. ليؤكد هؤلاء الزعماء والحكام ان القضية الفلسطينية لم تعد قضية الوطن العربي المحورية.. بل قضية ثانوية على الهوامش وعلى الجوانب.
ولكن الخطوات الوطنية والاممية “الجريئة” للرئيسين: الفنزويلي هوجو شافيز والبوليفي إيفو موراليس، قد اماطت اللثام عن جبن الانظمة العربية بتخليها عن القضية الفلسطينية، مثلما قزمت الحكومات العربية التي سدت آذانها بالطين، واغلقت أفواهها بالعجين، امام جرائم العدو الصهيوني ومجازره الجماعية المرعبة، منذ مذابح دير ياسين وقبية وكفر قاسم والحرم الابراهيمي ومدرسة بحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا الأولى وقانا الثانية وغزة.
لم يبق من عزاء للشعوب العربية سوى استنهاضها بحشد الطاقات، واستلهامها الحكم والهمم من معين أولئك المناضلين الذين سطروا انصع الصفحات المضيئة بأفكارهم، وجسدوا أعظم الملاحم البطولية بنضالاتهم، وسجلوا أروع الارث التاريخي النضالي بتضحياتهم.. ولعل الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز من ضمن تلك الكوكبة المناضلة، الذي أصبح مبعث فخر المناضلين وطالبي الحرية في كل مكان.
ومن هذا المنطلق رفعت الشعوب في لبنان وبيت لحم ورام الله والخليل، وغيرها من شعوب الدول العربية والاجنبية صورا للرئيس شافيز واعلام فنزويلا اثناء تظاهراتها ضد الحرب البربرية الصهيونية على قطاع غزة.. بحسب ما صرح به “محمد اللحام” النائب عن حركة فتح قائلا: “إن هوجو شافيز مناضل، بل هو رمز النضال من اجل الحرية مثل تشي جيفارا وهذا ما يميزه عن باقي الرؤساء الآخرين في العالم”.
ولعل الشيء بالشيء يذكر فإن الرئيس اليساري هوجو شافيز، قد استمد ارادته من معين تلك التضحيات الجسام للمناضل الشهيد ارنستو تشي جيفارا، الذي خاض غمار المعارك الوطنية والمبدئية والاممية في ابسل المواقف التاريخية البطولية.. وهكذا سنعطي صورة وطنية ازاء تشابه المواقف المبدئية ما بين هوجو شافيز وبين جيفارا وكارلوس في مقالة قادمة.
صحيفة اخبار الخليج
23 يناير 2009