لا تصلح لغة العنتريات والبطولات الوهمية في عالم السياسة اليوم!
لا تتحدد أوضاع السياسة بكمْ التصريحات المدوية في الفضاء الفارغ بل بكمْ من الخطوات الصغيرة على الأرض!
من لديه لغة القوة المتجسدة في الصناعات وخاصة الصناعات الحربية يفرضُ مشيئته، رغم أنها مشيئة إذا كانت في برامج التوسع والاستغلال تغدو كارثية على أصحابها في المدى البعيد غير المنظور رغم تجاهلها إرادة الشعوب.
وقد وجدنا كماً هائلاً من التصريحات النارية بالقضاء على إسرائيل والصهيونية، ولم تتجسد ببضعة أقدام حقيقية على الأرض.
ولكن هذه الأصوات في ذات الوقت تسخر من يعمل على تشكيل إرادة وممارسة نضالية صغيرة على الواقع.
إنها جماعات الاستعراض والمتفجرات الملونة.
حين ننتقد الرئيس الإيراني نجاد ننتقد لغته الاستعراضية غير المسئولة، وهو نقدٌ تشارك فيه قوى إيرانية عديدة وقوى مؤيدة للسياسة الإيرانية في العالم العربي كذلك.
لا يجوز حتى لرئيس فريق رياضي أن يوجه تهديدات خطرة بزوال الفريق الرياضي المنافس وسحقه من الكرة الأرضية!
ربما لا تؤدي تهديدات رئيس حزب سياسي بكوارث، لكن حين يتحول رئيس الحزب إلى أن يكون رئيس دولة كبيرة مسئولة عن حياة الملايين، فإن المسألة تغدو كارثية بكل معاني الكلمة!
لو تصورنا كيف يمكن أن تنهمر القنابل والصواريخ في منطقة الخليج العربي وفلسطين بين الجانبين المتحاربين على ضوء هذه التهديدات المشتركة، فحتى السياسة الإيرانية لها حلفاء في الخليج ولها شعب ممتد، فماذا يمكن أن تنتج من كوارث؟
تقوم الجماعات المؤيدة للسياسات الصواريخية الإيرانية والإسرائيلية بتعريضنا لأفدح الكوارث، ولكن في حين ان السياسة الاجرامية الإسرائيلية تمشي على الأرض وتذبح الناس بالدبابات والطائرات فإن سياسة الصواريخ البعيدة المدى النجادية لا تتشكل لا في الفضاء ولا على الأرض!
لا يكون لها أي موقع وتغدو مجرد مفرقعات واستعراضات!
إن المسئول السياسي الكبير يجب ألا يتفوه بمثل هذه اللغة الاستعراضية، ولكن الأمر لا يتوقف عنده فإن الاستعراضيين العرب كثيرون.
وتنشر في هذا الوقت صور الرئيس أبي مازن والمسئولين الفلسطينيين الحكوميين باعتبارهم خونة لأنهم يجلسون مع المسئولين الإسرائيليين في اجتماعات سابقة، ويعرضونها على الجمهور باعتبارها أنها تجري الآن، وإنهم ينسقون لذبح حماس ككبش الفداء القومي الديني في هذه المحرقة.
إنهم مسئولون في سلطة ومسئولون عن شعب وسلامته وليسوا رؤوساء عصابات مثل هؤلاء الذين تريدون تكوينهم، فهم يحتاطون من أي إراقة نقطة دم، وليسوا مثل هؤلاء الذين يقومون بإطلاق الصواريخ فوق رؤوس الشعوب بلا أي مسئولية ولا تقدير لسلامة الملايين من البشر!
إننا نرفض إطلاق الصواريخ والقنابل من إسرائيل ومن إيران ومن حماس وغيرها، فهؤلاء ليسوا سياسيين مسئولين ولكنهم فوضويون مغامرون بمصائر الشعوب!
ندعو للحوار، لرفض سياسة العنف من كل الأطراف، وحل المشكلات بالتفاوض.
هذه السياسة تبدو ظاهرياً لضرب إسرائيل ولكنها لخدمتها وتقويتها.
فأطراف العنف المتجمعة في حلف غير مقدس السابقة الذكر، ذات الوسائل النارية في قمع الشعوب، لا تستكثر استخدام الصواريخ وحرق المنطقة، ولكنها تحمي نفسها بوجودها الصراعي الوهمي.
إيران الدكتاتورية بحاجة إلى إسرائيل الفاشية، كلٌ منهما يغذي الآخر.
إيران الحكومية الدكتاتورية تقول لإسرائيل نحن بحاجة إلى وجودك وبقائك، فكيف نبرر سياستنا من دونك؟ استمري في الوجود الأزلي، وصواريخنا مجرد فقاعات!
كلما هتف الشعبُ عن سوء الخدمات قلنا إسرائيل، وكلما طالبت النساء بحقوقهن قلنا أمريكا وإسرائيل، فإذا ذهبتا أي مبررات تبقى نسوقها لقمع الشعب؟!
والشعب الإيراني من جهة أخرى يصرخ نحن بحاجة إلى الخبز والحرية والسلام وليس إلى الصواريخ التي تأكل معيشتنا وحياتنا!
لكنه يُقمع بقسوة بالقول إنه عميل للغرب والصهيونية!
والشعب الإسرائيلي يصرخ كفي عن العدوان والجرائم يا حكومة ولكن حماس تطلق الصواريخ فتوحدُ الشعبَ الإسرائيلي وراء حكومته!
هي لعبة كبرى لا تنطلي إلا على المغفلين!
وإيران وجود سياسي إنساني كبير، وتاريخه تاريخ حضارة وتقدم، وتستطيع أن تعيد النظر في الجمود السياسي الراهن بدعم الملكيات الخاصة بجانب الملكية العامة المراقبة من قبل الشعب، وتوسيع الحريات العامة والثقافة الحديثة، والتوجه إلى ديمقراطية حقيقية، وكل هذه إجراءات لا بد منها لتغدو إيران جزءا من المنطقة التي هي أيضا تعاني الشموليات الاقتصادية والسياسية.
إن نشوء منظومة ديمقراطية تحديثية وتعاون الشعوب هو أفضل من هذه التصادمات الغبية.
إن العنتريات تنطلي على البسطاء المتشربين بكره حقيقي على الصهيونية الاجرامية والاستعمار، لكن الكبار من وراء ظهورهم يشكلون سياسات الطبقات الحاكمة الاستغلالية ويتعاونون ويدبرون المؤامرات والخطط، التي تضمنُ بقاءهم وسيطراتهم المختلفة، وهم بحاجة إلى بعضهم بعضا، ويعرفون كيف يضربون بحدود صغيرة، ويشعلون المشاعر ويخلطون الأوراق، وتتذابح الشعوب وتقتلُ بعضها بعضا بينما هم أسياد باقون.
في الختام نعتذر لعنترة الشاعر والشجاع الذي ورد اسمه هنا، وذلك بسبب ان الكثيرين تاجروا باسمه، وحولوا شجاعته البسيطة إلى خرافة لكنها ليست مثل خرافات الحكومات والجماعات التي تذبحنا وتزعم الشجاعة والدفاع عن الحق والشعوب.
صحيفة اخبار الخليج
23 يناير 2009