كان الإعلام جزءاً من حرب الكيان الصهيوني على غزة من خلال ما ينشره من أكاذيب وما يفرضه من تعتيم، ولكن من حسن العرب هذه المرة بأن الإعلام العربي الفضائي بوجه خاص قد استطاع هذه المرة أن يكون جزءاً من المعركة المضادة، في مواجهة التضليل الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي والغربي على الصعيد الرسمي، الأمر الذي جعل محمد حسنين هيكل يقول إن وقع الصورة اليوم بات أخطر من وقع القنبلة، حيث كانت مؤثرة وفاعلة في تسليط الضوء على حجم الإجرام الصهيوني، وفي نفس الوقت حجم مأساة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ أكثر من 60 سنة، مأساة شعب مشرد مشتت، اغتصبت أرضه، ومع ذلك ما يزال صامداً متمسكاً بالحجر والتاريخ، في ظل تآمر دولي مخز، وضعف عربي غير مسبوق .. لقد كانت الصورة في هذه الحرب العدوانية جزءاً من المعركة الفلسطينية في مواجهة آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية التي انكشفت أمام عالم الشعوب الذي أصبح ذا وزن وتأثير في عالم اليوم، ففي زمن أصبح فيه للإعلام الفضائي والإلكتروني خاصة، دور بارز في التوجيه والإقناع والتأثير، كان للصورة تأثير بالغ في حالة غزة- كما كان في حالة البوسنة والهرسك- في مجال التواصل الإنساني، بحيث أفضت صيرورة العولمة التكنولوجية إلى مجتمع «القرية الإلكترونية»، وتحولت الصورة إلى طاقة فاعلة تعيد تركيب عقل المشاهد، وتضع كل الحواس في خدمة العين، بعد أن نفذ الإعلام المرئي إلى ذات المشاهدين وعقولهم، وعمّم خصوصيته وقيمه ونظامه، فبات المشاهد أسير الصورة يقرأ بعينيه ما يكتبه. بل أصبح رهين الشاشة لا يستطيع مغادرتها، واستطاعت الصورة اختزال كل كلام مباح وغير مباح، وبذلك نستطيع القول إن الإعلام العربي قد نجح هذه المرة في استخدام خطاب الصورة في الوقت الذي فشل فيه الخطاب السياسي العربي المرتبك والمتردد وغير المبدئي وغير الحاسم في إيصال رسالة واضحة لإسرائيل وللعالم. الوجه الثاني لهذه المعركة كانت معركة الأرقام والاستطلاعات التي يظل فيها العرب الطرف الأضعف بسبب تقلص الحريات وتقلص الديمقراطية، وعدم الجدية في التعاطي مع الرأي العام العربي كقوة فاعلة في السياسة، ففي الوقت الذي كانت هنالك معركة صاخبة تجري داخل الكيان الصهيوني هي معركة الاستطلاعات والأرقام التي يزايد فيها الإسرائيليون على الدم الفلسطيني في العدوانية والكراهية والعنصرية، كانت حرب الاستطلاع العربي مخنوقة ومقتصرة على انطباعات عاطفية تعبر عن حالة الضيق والعجز، أكثر مما تعبر عن موقف يؤثر في متخذ القرار، أو يعبأ به الآخرون. لقد شهدت الأيام الأخيرة استطلاعات يومية في الكيان الصهيوني كتعبير عن المواقف السياسية والاتجاهات التي تؤثر في الخيارات السياسية على صعيد الناخب الإسرائيلي، كما تعبر في نفس الوقت عن حالة التشنج العارمة التي تعتصر المجتمع الإسرائيلي، ولعل الاطلاع على هامش صغير من هذه الاستطلاعات الجديدة يمكن أن يعطينا بعض المؤشرات عن حقيقة الرأي العام الصهيوني، فقد أوضح استطلاع للرأي بالغ الدلالة في الكيان الإسرائيلي، أجراه مركز معاداة العنصرية ‘سانتر فور دو كومباين أغانست رايسيزم’ خلال العدوان على غزة ما يلي: -في مجال كره العرب: 50 في المائة من الإسرائيليين ينتابهم الخوف، عندما يتسمعون إلى أي فلسطيني يتعلم باللغة العربية، و31 في المائة منهم يحسون بالحقد والبقية لا يرغبون حتى في مجرد الاستماع إلى العرب وهو يتحدثون في التلفزيون. -في مجال الأمن: 56 بالمائة من الإسرائيليين يِؤمنون أن العرب الإسرائيليين يمثلون معضلة أمنية بالنسبة لدولة إسرائيل وأن المطلوب من إسرائيل أن تتخلص منهم في إطار أي اتفاق سلام في المستقبل. -في المجال الاجتماعي: 55 بالمائة من الإسرائيليين يودّون لو يتمّ عزلهم عن العرب في أماكن الترفيه والأسواق والساحات العامة. -في مجال المواطنة: 40 بالمائة من الإسرائيليين يوافقون على سحب حقّ الانتخاب والترشح من العرب الإسرائيليين. - في المجال الثقافي: 37 في المائة من الإسرائيليين يرون بأن الثقافة اليهودية أرفع منزلة من الثقافة العربية -الإسلامية. - في مجال التعامل مع الشهداء الفلسطينيين: عبر أكثر من 60٪ من الإسرائيليين عن حق إسرائيل في احتجاز جثث الشهداء، وتجريدها من الأسماء بعد دفنها في مقابر تسمى مقابر الأرقام الإسرائيلية كعقاب للفلسطينيين وزيادة معاناتهم.
صحيفة الوطن
22 يناير 2009