حسب هيئة الإذاعة البريطانية فان الصحف الأمريكية أجمعت على أن تنصيب الرئيس الجديد باراك أوباما يمثل نوعاً من العلاج أو من تصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع نفسها. بعيداً عن أية أوهام، فمهما كانت السجايا الشخصية والأخلاقية للرئيس الجديد خَيّرة، فان صنع القرار السياسي في بلدٍ مثل الولايات المتحدة الأمريكية مسألة معقدة، تخضع لآليات كثيرة، وأن دور الرئيس، على أهميته، ليس هو المحدد الرئيسي، بالضرورة، لطبيعة القرار المتخذ، لكن يبقى أن ما ذهبت إليه الصحافة الأمريكية ينطوي على الكثير من الصحة. فاوباما شخصية ملهمة بالنسبة لملايين البشر داخل الولايات المتحدة وخارجها، ليس فقط لكونه أول رئيس أمريكي ملون شق طريقه نحو المجد بعصامية ودأب، واستطاع أن يكسر العرف السائد، منذ تأسيس الولايات المتحدة، بأن جعل من رجل البيت الأبيض مُلوناً، وإنما أيضاً لأنه أشاع الأمل في قلوب وأذهان الكثيرين، بعد الأداء المدمر لإدارة بوش الراحلة، التي توصف بأنها أسوأ إدارة عرفتها أمريكا حتى الآن. في معنى من المعاني يمثل مجيء رئيس ملون بالنسبة للأمريكيين انتصاراً للخيار الإنساني في المساواة ونبذ العنصرية والتمييز ضد السود، فأمريكا التي تأسست على قاعدة إفناء سكانها الأصليين، وتشييد حضارة قائمة على منطق القوة، على النحو المدهش الذي وصفه الراحل محمود درويش في قصيدته: « الخطبة الأخيرة للزنجي الأحمر أمام الرجل الأبيض»، ظلت لفترة طويلة رازحة تحت نير وعار العبودية التي لم تُلغ إلا في عام 1865. لا نحسب أن رئيساً أمريكياً عُلقت عليه الآمال داخل أمريكا أو خارجها مثل أوباما. لقد أجاد هو في حملته الانتخابية صناعة الأمل بالتغيير لدى الناس، وبالتالي فان سقف التوقعات لدى هؤلاء الناس منه بات سقفاً عالياً، وسط شعور يعم أوسع القطاعات داخل وخارج أمريكا، إن بوش خلف لسلفه عُقداً من المشاكل التي تحتاج إلى حل، بل أن العالم لم يسبق أن بلغ الدرك الأسفل من الخراب والضياع وفقدان الثقة في المستقبل خلال العقود الماضية، كما حدث في فترتي إدارة بوش الابن. ومن ابرز ملامح تركة بوش على المستوى الخارجي، الحربان المفتوحتان في العراق وافغانستان، وتراجع صورة الولايات المتحدة بين مواطني كثير من دول العالم، وعلى المستوى الداخلي ترك بوش الموازنة الأمريكية وهي تعاني من عجز تزيد قيمته عن تريليون دولار، بينما كان هناك فائض في هذه الموازنة عندما تسلم بوش الحكم من الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، علاوة على أوسع كساد تشهده الولايات المتحدة منذ أكثر من ثمانين عاماً عاما، وبلغت نسبة البطالة في الولايات المتحدة حاليا أعلى معدل لها منذ نحو عقدين. ومن سوء حظ أوباما إنه أصبح رئيساً للولايات المتحدة في ظروف الأزمة المالية العالمية، وإذا كانت هذه الأزمة شكلت حافزاً للأمريكيين في اختياره رئيساً لأنهم وجدوا فيه الأمل، فان أوباما المرشح غير أوباما الرئيس الذي اعترف بأن تعافي الاقتصاد لن يأتي بسرعة أو بسهولة. يضع الأمريكيون والعالم، ونحن ضمنه، أمام أوباما تحدي مداواة الجروح البليغة التي خلفتها السياسة الأمريكية السابقة، التي أقل ما توصف به هو التهور.
صحيفة الايام
22 يناير 2009