المنشور

عقابٌ فاشي لأهل غزة

لم تكن ضربات صواريخ حماس البسيطة الصغيرة تستدعي كل هذا الهجوم الواسع الوحشي.
لكن كانت هناك عملية تصفية حسابات سياسية غائرة في الأعماق السياسية.
ينطلق زعماء إسرائيل كما قلنا سابقاً من المدرسة الهتلرية، فهي مترسبة في أعماقهم، ولم تـُتح للمنظمات الصهيونية ولا للجماعات السياسية المذهبية الشمولية الإسلامية من جانب آخر تشكيل وعي ومجتمع ديمقراطيين.
كانت كل هذه الصواريخ الحماسية الهزيلة بحاجة إلى بضع طائرات مروحية.
لكن المسألة هنا ليست مسألة صواريخ، بل عقاب أهالي غزة على انتخاب حماس.
تقول لهم هذه الضربات الدموية: أنتم انتخبتم “حماس” فذوقوا ثمار انتخابكم.
وعليكم في المرة الأخرى أن تنتخبوا قادة فتح والرئيس أبا مازن.
وبطبيعة الحال لا يستطيع الرئيس أبومازن وقيادة فتح أن يواجها بهذه المغامرة الكارثية نفسها لقادة حماس. فلا توازن القوى يسمح بذلك، ولا أوضاع المنطقة والعالم.
لكن قادة حماس يريدون أن يتبأوا مركز القيادة السياسية في حياة الشعب الفلسطيني ولو على بحر من الجثث.
تريد القيادة الإسرائيلية الهتلرية أن تحددَ نمطَ الديمقراطية الفلسطينية القادمة، بأن تكون مجرد مُلحق بجسم الدولة الإسرائيلية الدكتاتورية.
لكن الرئيس أبامازن هو بين فاشية إسرائيل وسياسة حماس، وأن يشكل وطنية فلسطينية تحررية وديمقراطية، عبر النضال السلمي وعدم وجود جيش ذي قيمة عسكرية، في حين تحاول حماس أن تقفز على هذا الاختلال العسكري الهائل بين إسرائيل والفلسطينيين بكمٍ ساذج من الصواريخ، وهي فرصة للقادة الفاشيين في تل أبيب لاستعراض عضلاتهم العسكرية.
إن الصواريخ حين تنطلق من حماس على العسكريين والمدنيين في إسرائيل إنما تؤججُ الجميع ضدها، كما أن ذلك يماثل أسلوب العقاب الجماعي الإسرئيلي.
فإسرائيل هنا تتذرع بصواريخ حماس لتؤكد فاشيتها الوطنية الدفاعية.
ولا تنفع في أساليب النضال هنا الجعجعة من صغار العرب وجماعات الحماقة الذين هم أصدقاء للفاشية الإسرائيلية والذين يعطونها الفرص للعربدة العسكرية المتفوقة.
لكننا حين نرى العقاب الجماعي وقتل المدنيين بمثل هذه الوحشية، وكراهية البشر العنيفة من العسكرية الإسرائيلية الهمجية والاعتداءات حتى على المدارس والمخازن والملاجئ نقول: إن تلاميذ هتلر في تل أبيب تلاميذ نجباء وإن لم يكونوا بمثل شجاعة فيالقه، بل هم جبناء بكل خسة وحقارة، تفوقوا لأن جماعاتنا العربية والإسلامية يقدمون لهم أفضل الخدمات بمغامراتهم وعدم توحدهم.
لقد وضعت هجمات إسرائيل قادة فتح كذلك في موقف عصيب، فهي التي تريد من ضرب حماس تكريسهم في الساحة الفلسطينية، قد أحرجتهم حرجاً كبيراً.
وهذا الانتصار العاطفي لحماس عليهم هو نتيجة لدكتاتوريتهم، وعدم اشتغالهم على تنمية عناصر الوطنية الفلسطينية العلمانية الديمقراطية داخل منظمة التحرير، فيجب عدم التسليم بشروط إسرائيل، وهيمنتها، وعدم اعتبار التفاوض الوسيلة الوحيدة للنضال وإنشاء الدولة الفلسطينية، بل لابد من القوة كذلك، وهذه القوة تتمثل في أشكال شتى، من السلاح حتى المظاهرات والاحتجاجات والتشهير بإسرائيل في العالم كله.
والمفاوضات والحوارات تتطلب الحوار والتعاون مع اليسار في إسرائيل والقوى الديمقراطية فيها، لجعل الفاشية محاصرة ومهزومة في خاتمة المطاف.
أما أن نتفاوض مع الطرف الحكومي العدو ونسلم كل الأوراق في يده فهو أمرٌ يرفع أمثال حماس الذين يتصيدون مثل ذلك من أجل القفز للقيادة ولا شيء غيرها.
المتاجرون في الأوطان لأجل منافعهم والمتاجرون في الأديان لأجل سيطرتهم يتلاقون في خراب كبير.
وإذا لم نشكل علاقات تعاون بين كل المتضررين من هذه الأساليب فهي تبتلعنا جميعاً.
والضعف العسكري للقوى العربية جميعاً هو بسبب الانقسام وبسبب صراع المحورين العربيين الإسلاميين، مما يجعل الحراب الإسرائيلية تدخل في اللحم الفلسطيني بسهولة، فهذا يغامر وذاك يعجز عن القيادة الديمقراطية، والنتيجة هي سيطرة الحراب على المتطرفين والمعتدلين معاً.
وقد طُرحت مسألة إعادة اللحمة للمنظمات الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية، ولكن هذه اللحمة لا تستوي من دون وجود لحمة عربية إسلامية، ودول “الممانعة” أو جماعات الجملة الثورية الصاخبة الفارغة لا تريد هذا التوحد وهي تصخب من أجل التحرير.
ولكن ليس لديها فعل نضال توحدي حقيقي بعد أن زايدت كثيراً وخونت الجميع.
فهذه الساحة مفتوحة لمبادراتهم الساحقة لإسرائيل ولكن لم ينجزوا شيئاً.
فهل يمنع عربي أحداً من هزيمة إسرائيل؟ ولماذا هذا الدفع بالعرب إلى أن يظهروا خونة وحماة إسرائيل وهؤلاء المتهِمون لم يقتلوا ذبابة؟
ليس ثمة سوى الطريق النضالي الصبور وتجميع كل الطاقات وعزل القوى المتطرفة العدوانية في إسرائيل ومغامراتها العسكرية وتكوين تعاون ديمقراطي إنساني لشل يدها.
فأي حديث عن سحق إسرائيل وتدميرها وحرق أعلامها وشعبها ليس هو سوى هدايا مجانية لهؤلاء العسكريين الهتلريين في تل أبيب وجعل الناس تلتف حولهم.

صحيفة اخبار الخليج
20 يناير 2009