المنشور

غداً .. سيفوت الأوان

الأمر الأساسي المسكوت عنه في العمل الخليجي المشترك، وفي نشاط مجلس التعاون نفسه هو الشق السياسي الداخلي، ونعني به ذلك الشق المتصل بإضفاء طابع شعبي على التعاون الخليجي. إن التداخل بين أبناء المنطقة سابق لقيام المجلس، وهو من القوة والرسوخ بحيث أن المجلس استند إليه عند قيامه، ولكنه لم يسع لإكسابه طابعاً حديثاً لتجديده وعصرنته وجعله مواكباً للمتغيرات. وإذا كان التنسيق والتعاون، وحتى الوحدة، بين دول الخليج هدفاً يجب على الحكومات السعي إليه، فإن الأمر من بابٍ أولى عائد لشعوب المنطقة نفسها، وحتى الآن فإن العمل الخليجي المشترك هو عمل فوقي، على مستوى الحكومات والأجهزة الرسمية فقط، وهو لم يجد بعد إطاراً شعبياً على شكل تنسيق بين الجمعيات والهيئات الأهلية والاتحادات المهنية الممثلة للرأي العام الخليجي والتي تعكس ما يمكن وصفه بتعبيرات المجتمع المدني في كل دولة من دول المنطقة على حدة وفي الإطار الخليجي المشترك. إن تعبيرات المجتمع المدني هي، في أحد أوجهها، ثمرةٌ من ثمرات التحولات الاجتماعية التي شهدتها بلدان المنطقة بفعل الإنفاق الحكومي على الخدمات، خاصةً خدمات التعليم والتأهيل، حيث أنفقت الحكومات ملايين وربما مليارات الدولارات على إعداد الشرائح الجديدة من المتعلمين والفنيين والتكنوقراط المنخرطين في العمل الذهني على أنوعه. وبهذا المعنى فإن هذه الشرائح هي قوى أصيلة في مجتمعات الخليج اليوم لا يمكن إقصاؤها وتجاهل دورها إلى ما لا نهاية والاستخفاف بمطالبها وتطلعاتها في تحديث مجتمعاتها وتطوير الأداء الحكومي والتغلب على استشراء الفساد والبيروقراطية وترهل الأداء الحكومي، هذا فضلاً عن تطلها للمشاركة السياسية عبر القنوات الشرعية التي يجب أن تتوافق مع العصر وتغادر المنطق السائد. الأجدى بالنسبة لنا كدول خليجية أن نبادر بأنفسنا وبالسرعة الضرورية لتطوير البنى السياسية الداخلية في بلداننا بإرادتنا وبالتفاهم بين شعوب المنطقة وحكوماتها، بدل اللجوء إلى الصيغ التوفيقية والأشكال الموازية لتفادي الحرج أمام الخارج، لأن الحاجة إلى هذا التطوير، خليجيا، هي في الأساس حاجة وطنية وضرورة من ضرورات تأمين الاستقرار والأمن الداخلي في هذا العصر الذي أصبحت التعددية السياسية والشفافية وتدفق المعلومات مقومات أساسية له، ولا سبيل لنا لأن نكون خارج هذا العصر لأننا في قلب اهتمامه. إن ما يقلق هو أن حجم الاستجابة للتحديات في هذا المجال ما زال محدوداً وغير كافٍ، رغم أن التطورات المحيطة تفرض هذا الأمر فرضاً، فما زالت دول المنطقة تراوح بين حالين، إما حال تجاهل الاستحقاقات السياسية أو تأجيلها ما أمكن أو السير بخجل نحو بعض التدابير المحدودة على طريقة «خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء». فلا نكاد والحال كذلك نقدر على مغادرة المربع الأول فيما المطلوب إزاء ما هو ماثل أمامنا من مهام أن نحث الخطى جرياً للحاق بما فاتنا، وأن نبارح مشي السلحفاة إزاء تحديات كبرى تواجه بلدان المنطقة، التي قد تجد نفسها بعد حين لن يطول في أتون أزمات غير مسبوقة بحجمها ووقائعها وبالنتائج التي قد تترتب عليها. وهي نتائج قد تكون من الخطورة والجذرية بحيث تعيد تشكيل الخريطة السياسية في المنطقة، ومن شأن كل تردد أو تلكوء في الاستجابة لشروط التطوير السياسي والمشاركة الشعبية أن يعقد الأمور ويضاعف من الكلفة مرات.

صحيفة الايام 
20 يناير 2009