أخيرا اختزل النائب عادل المعاودة «نائب كتلة الأصالة الحالة النيابية السائدة» خاصة بعد أن شهد المتفرج البحريني على أضواء مشهد مسرحي قام به النائب مزعل «وهي لقطات جديرة بالميلودراما الإغريقية العريقة» وان كان حجم سعة المسرح ضيقة لحركة النائب وهو يمضي متحركاً متكلماً ومشيراً بكلتا يديه «اشنقوني.. اذبحوني» الخ من تلك الجمل المنتقاة والمنفلتة عن روح النص التي اقتضتها اللعبة البرلمانية لكتلة كان عليها أن تروض كل العنفوان العاطفي والانفعالي لدى نائب منها «عليه أن ينسى تماما» وبعد أن انتخبه الشعب ودائرته «انه بات بعد القسم الذي أداه انه يقف تحت قبة البرلمان وفي عيون ومرمى عدسات المصورين وأجهزة الإعلام» بحيث كان عليه أن ينسى حالة التمثيل الشخصي للدائرة ونفسه بكل ما يعتليها من غرائز وذاتيات ورغبات البروز «إلى كونه شخصا يمثل كتلة نيابية» تحمل في أجندتها مشروعا سياسيا وفكريا تود إبلاغ رسالته لجمهور عريض ينتظر منها منجزات تشريعية مهمة «لهذا لن يكون المدافع عن الشعب الاستعراضي والمسرحي سيحظى بتصفيق من يكتمون غيظهم ويحركون عقولهم ويتداولون بروح الحكمة وعقلها» كل شؤون الساعة في سياساتنا الحالية والمنتظرة قريبا ومستقبلا. ما قاله الكثيرون في الشارع البحريني السياسي والناضج منه أنها لا تتعدى تلك الصرخات سقف المجلس فبعدها ستخبو النار بالسرعة نفسها.. الجيل الجديد برمته بدأ يستوعب ويعي أن تلك الظاهرة المسرحية لا يجوز أن تحدث بكل بساطة في جلسات المجلس المسؤول في وقته ونقاشه عن انجاز المهمات المتعلقة بحياة الناس والوطن. ربما الجميع يعرف أن الانفلات «انفلات الأعصاب والتشابك بالأيدي والتلاسن بجمل غير لائقة» تحدث في برلمانات كثيرة «ولكنها أيضا تكون نادرة النشوب» ويقابلها الشارع السياسي بنقد حاد ويوجه سهامه إليها إعلاميا بصورة لا ترحم. فإذا ما كان شعبنا طيبا ومتسامحا إلى حدود ما فانه من جانب آخر يدخرها لك مع الأيام وتلصق في ملفك الحياتي حتى بعد خروجك ومغادرتك المقعد النيابي. تظل مسألة مهمة جدا «إن نائبنا مزعل لم يزعل بتلك السرعة والحدة إن لم تكن هناك جمل متناثرة من كتل أخرى تلعب بنيران مفرداتها ومهيجاتها العصبية» بل وتدرك أين نقطة الضعف المثيرة في نائب الوفاق «الذي اهتم كثيرا بالأضواء» تفوق كل جماعته مما يطرح سؤالا هاما للغاية. هل كان مزعل هو الصوت المعبر للوفاق بقصد عن تلك المسرحية المفتعلة؟ أم انه خرق لوائح الكتلة وتجاوز حدوده المرسومة؟ في حالة التفسير الأول «فان ذلك يعني إن الوفاق حاولت توزيع الأدوار على الأعضاء بطريقة لم تحسنها» أو أن التجاوزات الانفعالية هيمنت على شخصية النائب أنسته وظيفته ودوره وعادة كثير من الممثلين فوق خشبة المسرح عندما يهيمون حبا في تصفيق الجمهور تنزلق أقدامهم خارج النص المكتوب «فيحلق شرقا وغربا» منشّدا للتصفيق والإضاءة والعدسات «فتبدو له لحظة الزهو قمة التألق» ومن هنا يدخل ممثل المسرح بالتدرج إلى عالم الغرور الفني «لكونه يعتقد انه فوق المسرح كله وانه هو المسرح بكل وظائفه وطاقمه» وان ذلك العالم الدرامي المتكامل ليس إلا هو ومتى ما غادره كممثل كبير ينهار فجأة. مثل هذه النزعة تسيطر على العديد من الساسة وتتملكهم إلى حد تضخم الذات والمبالغة في قيمة دورهم المعزول عن دور الاوركسترا الفنية أو السياسية في حياتنا.
وفي كلا الحالتين «حالة توزيع الأدوار بين أعضاء الوفاق وتجاوز العضو خطوطه أو تحليق العضو بجناحيه خارج السرب والدخول في غناء منفرد كيفما يرغب» كما رأينا الطريقة التي قام بها النائب مزعل فكانت حركة جديرة باقتناصها مسرحيا وتكديس تلك المفردات لتخرج علينا خشبة مسارحنا مستقبلا بموضوعات فنية جميلة بحيث نسمع شهقات شكسبيرية عن الغدر والذبح والاغتيال واستخدام السم في زمن العروش المهتزة في بريطانيا. سنشاهد تضخيما ومبالغة من كل الأنواع وليس هذا النوع، بل «ولوعة جبد» يسل فيها النائب خنجره البلاستيكي في حركة تمويهية يقتل نفسه مرددا «إن لم تذبحوني ذبحت نفسي.. بيدي لا بيد عمرو !!» ولكننا لن نكتشف في نهاية المشهد الخيمة والقبيلة ولا مركز الشرطة وإنما صوت سيارة الإسعاف ومجموعة من الصغار تركض وراء النائب تولول صارخة كما صرخوا في قيس كيفما يريدون.
ودون أن ننسى ما فعلته كتلتا الأصالة والمنبر الإسلامي من وخز بالإبر الخفية «فإنهما لا يخفيان ضغينة الاستئثار» مثلما لا يخفي نائب هنا ونائب هناك عناصر صوتهما «المشمئز» حول قضايا جادة تهم مجموعة سياسية ومجتمعا برمته في حالة ارتباك سياسي وإعلامي عن قضية مثيرة ونزاعات برلمانية حول «هل هو مخطط إرهابي أم أن هناك اتهامات بالتخطيط» وحسب موضوعه ومنطق مزعل الذي قال كيف نقول إن هناك مخططا إرهابيا؟ هناك اتهامات بالتخطيط «ولم يكمل جملته وما هو نوع هذا التخطيط هل هو تخطيط لعمل إرهابي أو من جديد لأعمال عنف وتخريب!! ونحن بتنا ندرك أن التخريب ليس إلا حرق إطارات وتكسير مصابيح كهرباء» ولكن إذا ما صدقت الأنباء حول وجود المسامير والرصاص والتدريب وخطط اختيار الأماكن والتوقيت «فان إرعاب الناس وإدخالهم في لعبة خطيرة ونتائج فادحة» فالمسألة بحاجة إلى توقف هادئ يخرج من نطاق كل تلك الألعاب البهلوانية «سواء على مستوى الإعلام أو مستوى نقاش النواب» فلا داعي للركض وإصدار البيانات وتحويل قبة البرلمان إلى مسرح للمشاحنات «فالوطن والأمن يهم الجميع ودون استثناء» المهم منا أن نرتفع عن روح التشكيك والمبالغة والتضخيم ومعارك الديكة.
صحيفة الايام
20 يناير 2009