توجه رئيس لجنة التحقيق في اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي بأصابع الاتهام في قضية مقتل الرئيس الأمريكي إلى المتنفذين في وزارة الدفاع الأمريكية، وأن ما جرى من اغتيال هو انقلاب يقصد منه منع الرئيس جون كيندي من الانسحاب من حرب فيتنام الدائرة وقتذاك، التي تكلف الشعب الأمريكي أكثر من مائة مليون دولار في كل يوم، وجاء جونسون واستمرت آلة الحرب تذبح الأبرياء في فيتنام وتملأ جيوب المسئولين في وزارة الدفاع وشركات السلاح الكبرى.
ومنذ ذاك رفضت وزاراتُ الدفاع الأمريكية المتعاقبة توقيف الحروب في العديد من البقع، وإذا لم تكن الحروب موجودة يتم اختلاقها وتكوين منظمات وزعماء (رافضين للهيمنة الأمريكية!) يشعلونها.
بعد انتهاء حرب فيتنام والهزيمة الأمريكية فيها حدث خفوت وامض في السياسة الحربية الأمريكية، لتتصاعد المواجهة في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والعرب ولتحتل المنطقة البديل مكان ساحة فيتنام، فتم تدعيم نظام صدام حسين وجعله يشتري أكبر كمية من السلاح في ذلك الوقت، وتفجر أول بديل هائل عن فيتنام عبر الحروب التي خاضها النظام العراقي السابق أو خيضت ضده!
وتحولت منطقة الشرق الأوسط إلى البقعة الأكثر خصوبة في العالم للعنف، بسبب موارد النفط الكبيرة التي تتيح للأنظمة في هذه المنطقة شراء الأسلحة الأمريكية، والولايات المتحدة هي أكبر بلد مصدر وبائع للسلاح في العالم.
وصعدتْ دولُ الشرق الأوسط لتكون أكثر البلدان شراءً للسلاح، وأكثر البلدان الحافلة بأسباب التفجر في صراعها التقليدي وغير القادرة للانتقال إلى أنظمة ديمقراطية علمانية.
وكما تحولت هذه البلدان إلى البلدان الأكثر استيراداً السلاح في العالم، فقد غدت أكثر البلدان اغداقاً للأرباح على وزارات الدفاع الغربية وشركات السلاح عموماً.
واستفادت بلدان صناعية أخرى من تجارة السلاح كروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وإذا كان العديد من دول الشرق الأوسط تستورد السلاح بحجج دفاعية ضد خصوم وهميين أو مفترضين، وغدت هذه الاستيرادات هي أكبر خصوم التنمية والديمقراطية والسلام، فإن دولاً معينة توجهت لسياسة هجومية باستخدام السلاح أو بتوجيه منظمات معينة لإيجاد الاضطرابات والعنف، نظراً لأن المتحكمين في وزارات الدفاع فيها لا يريدون الإصلاحات الديمقراطية في بلدانهم ولا يريدون سياسة السلام.
غدت إسرائيل وإيران وسوريا من أكثر البلدان المزعزعة لاستقرار المنطقة، وتوفير سياسات المجابهة والحروب والقلاقل في الدول المجاورة لأسباب متباينة بين كل منها.
ولهذا نجد ان إسرائيل بلا حدود معينة، وتغدو فيها وزارة (الدفاع) أكثر الوزارات نشاطاً، ويظهر قادة إسرائيل من بينها، وتمتد خيوطها مع أكبر وزارة (دفاع) في العالم وهي وزارة الدفاع الأمريكية.
فيقوم نشاطهما على تغذية التوتر والحروب بين العرب والإسرائيليين، من أجل أن يستمر هذا المورد المالي الهائل.
وكانت وزارة الدفاع السورية هي أكثر الرابحين من حرب لبنان، وأكثر الخاسرين من الانسحاب منه، وكان الضباط المشرفون على القوات السورية هناك قد تحولوا إلى فئات ثرية عبر استغلال التجارة، وعبر نقل السلع بين بلد مفتوح هو لبنان وبلد مغلق ذي نظام اقتصادي بيروقراطي معقد. ولهذا فإن الثورة اللبنانية ضد الوجود السوري العسكري الاستغلالي قـُوبلت بحمامات دم ضد القيادات اللبنانية التي فككتْ هذه العلاقة والتي تريد توجيه لبنان بعيداً عن دائرة الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط وحروبه المستمرة، ولم يرضِ ذلك وزاراتي الدفاع في كل من إسرائيل وسوريا، وغدا لبنان ضحية الجانبين، ضحية انسحابه من الهيمنة السورية، وضحية وجود الهيمنة السورية – الإيرانية فيه.
واستفادت وزارات الدفاع في البلدان الثلاثة من هذه الصراعات.
وكان المورد الكبير المشترك لوزارات الدفاع في الولايات المتحدة وسوريا وإيران هو العراق الذي تحول لساحة ثراء واسعة لهذه القوى.
كانت الخطوط معقدة ومتقاطعة بينها هنا، فغدا العراق هو أكبر مصدر للأرباح العسكرية الأمريكية، ولنشاطات وزارتي الدفاع في كل من إيران وسوريا، وحدث حرب غير معلنة بين الطرف الأمريكي والطرفين الشرق أوسطيين، تحت لافتات متعددة مثل زرع الديمقراطية والجهاد و(القاعدة).
توجهت وزارة الدفاع الإيرانية للتوسع الهائل مما جعل من الضباط الكبار حكومة إيران السرية، التي ترفض الشفافية والديمقراطية وتؤيد التوتر والمواجهة، ونشر القلاقل في منطقة الشرق الأوسط عبر استثمار الصراعات الاجتماعية والسياسية في البلدان المجاورة، فظهرت ثمار هذه السياسة في لبنان، وغزة، واليمن عبر الحوثيين، ولكن العراق بقي هو البلد الأكثر خصوبة لمثل هذه السياسة عبر التغلغل العسكري المباشر وتجنيد فصائل عسكرية متعددة، ومن الجانب السوري كان العراق هو كذلك البلد الذي نافس لبنان في قائمة التدخل العسكري السوري، وذلك عبر الجماعات السياسية العربية الفوضوية والارهابية.
وكانت هذه التحركات الإمريكية والإسرائيلية والسورية والإيرانية مدعاة للخوف من قبل الدول الأخرى وخاصة النفطية التي تمت عمليات كثيرة لابتزاز مواردها النفطية وكان من ضمنها شراء السلاح وتكديسه في مستودعاتها في أغلب الأحيان.
ولهذا فإن أي سياسة إصلاح أو بناء من قبل دول المنطقة تواجه بتدخلات غريبة.
أما سياسة السلام وإزالة الأسلحة النووية، وتقليص الجيوش، وإيجاد منطقة تعاون كبرى، فهي أكثر السياسات كرها من قبل وزارات الدفاع في تلك الدول، التي تغذت بإيجاد منطقة التوتر الهائلة الوفيرة المغانم هذه.
ولهذا نجد إن وزارة دفاع كوزارة الدفاع الروسية التي كانت ولاتزال الوزارة الحاكمة في روسيا جنباً إلى جنب مع المخابرات تواصل بيع السلاح لكل الأطراف خاصة لإيران مما يجعل من وزارات الدفاع هذه هي الأخطبوط الذي يغذي سياسات الحروب والمواجهة والعنف والكراهية في المنطقة؛ سوقها الأكبر.
صحيفة اخبار الخليج
18 يناير 2009