اذا ما اراد المجلس الوطني بغرفتيه رؤى عمالية طموحة تعينه وتجنبه عند مناقشة مشروع قانون العمل الثغرات الواردة في هذا القانون فانه من المهم بل ومن الضروري الأخذ بمرئيات الاوراق المشاركة في الحلقة الحوارية التي انعقدت مؤخراً في المنبر الديمقراطي التقدمي حول آفاق هذا المشروع.
ويمكننا القول بامانة ان ورقة “التقدمي” النقدية لهذا القانون كانت من أهم الاوراق وذلك استناداً للملاحظات والتعديلات المقترحة في هذا الجانب.
في هذه الورقة العمالية النقدية تم الاشارة الى اهم الثغرات ألا وهي ان القانون الجديد تجاهل نظام الحد الادنى للاجور بمعنى انه لم يتخذ خطوة ايجابية حول هذه القضية في حين ان قانون العمل الحالي أوجد آلية ازاحت هذا الغموض وهذا التجاهل وخاصة ان المادة (77) نصت على “ان يكون تحديد الحد الادنى للاجور بقرار من مجلس الوزراء وبناءً على عرض من وزير العمل.. ومن هنا نفهم ان الحاجة هنا تقتضي النص على ان تكون هناك آلية امام الارتفاع الرهيب في اسعار السلع الضرورية والحاجات الاساسية وبناءً على ذلك اقترح “التقدمي” في ورقته هذه ان ينص القانون الجديد على تشكيل لجنة وطنية مكونة من اطراف العمل الثلاثة بالاضافة الى ممثلين عن كبرى الشركات ونخبة من مؤسسات المجتمع المدني وتختص هذه اللجنة بدراسة وتقييم الاجور واستعراض اسعار السوق وتكاليف المعيشة لوضع حد ادنى للاجور ملزمة لكافة اصحاب العمل في القطاع الخاص ومن يخرج على ذلك تعد مخالفة للقانون.
كما تحفظت الورقة على سلطة رب العمل الواسعة في انهاء عقد العمل بسبب اغلاق المنشأة طبقاً للمادة (107) التي نص عليها مشروع القانون لما لها من اضرار تلحق بالعاملين ولا سيما ان المادة المذكورة لم تفرق بين الاغلاق المؤقت الذي لا يجيز لصاحب العمل انهاء العقد بل يوقف تنفيذه خلال فترة هذا الاغلاق وبين الاغلاق النهائي وهنا لابد من ضوابط وخاصة اذا كان الاغلاق النهائي بسبب يرجع الى صاحب العمل فان عقد العمل لا ينتهي ولا ينفسخ بقوة القانون وتظل التزامات صاحب العمل في التعويض واردة وقائمة في هذه الحالة.
وتقف الورقة ايضاً موقفاً واضحاً وصريحاً من المادة (106) من المشروع التي تنص على فصل العامل لعدم الكفاءة وهو حكم يتجاوز العدالة لان نص المادة (21) من مشروع القانون ذاته هي في الاصل تجيز تعيين العامل تحت شرط التجربة مدة ثلاثة اشهر كحد اقصى بغرض معرفة كفاءة العامل وعلى هذا الاساس ان حكم المادة (106) يتجاوز حدود الانصاف والعدالة ويفتح الباب على مصراعيه لصاحب العمل لفصل العامل في اي وقت بحجة عدم الكفاءة او نقصها. ولا يختلف الحال بالنسبة لتعويض العامل في حالة فصله من العمل بسبب او بدون سبب مشروع وفي كلا الحالتين المادة (108) من القانون الجديد صادرت سلطة القاضي في تقدير التعويض التي هي واضحة في القانون الحالي والمصادرة تتم هنا حينما وضعت تلك المادة حداً ادنى للتعويض وهو ما يعادل اجر يومين عن كل شهر من الخدمة وبما لا يقل عن اجر شهر ولا يزيد عن اجر اثني عشر شهراً اذا كان العقد غير محدد المدة او ما يعادل اجر المدة الباقية من العقد اذا كان العقد محدّد المدة. ومصادرة سلطة القاضي في تقدير التعويض يعني لا مكان لهذه السلطة في تقدير الضرر بنوعيه المادي والمعنوي وهو يختلف من حالة الى اخرى.
وابسط مثال على ذلك التعويض الذي يستحقه العامل المتزوج يختلف عن تعويض غير المتروج.
ومما يلفت النظر ايضاً ان هذه الرؤية النقدية لنصوص مشروع القانون لم تقف عند هذا الحد من الملاحظات بل عالجت قضايا اخرى جوهرية تمس العاملين من بينها افضلية التوظيف للعامل الوطني وحظر تكليف العامل بعمل غير متفق عليه في العقد وحق الاضراب بوصفه حقاً مدنياً وصيغة من صيغ حرية التعبير للدفاع عن مصالح العمال وعدم جواز حرمان المرأة العاملة من اجازة الوضع والعقود المؤقتة التي انتشرت في السنوات الأخيرة بين القطاعين الحكومي والخاص.
هذه هي بعض الجوانب التي تطرقت اليها ورقة “التقدمي” في هذه الحلقة الحوارية الهامة وهنا بغير شك جوانب اخرى وردت في القانون الجديد جديرة بالوقفة النقدية حتى لا يسلب هذا القانون حقوق العاملين.
صحيفة الايام
10 يناير 2009