قد يكون التشنج في السيرك السياسي الحاصل الآن إزاء العدوان الإسرائيلي الجوي والبحري والبري على الشعب الفلسطيني في غزة أمراً وارداً بل ومتوقعاً.
وقد تكون العصبية وتباين الرؤى وردود الأفعال الشعبية على المواقف العربية الرسمية إزاء هذا العدوان الوحشي أمراً طبيعياً ومشروعاً.
وقد يكون رأي ووجهة نظر البعض من «حماس» أو «فتح» أو «السلطة الفلسطينية» تحكمه حسابات واعتبارات معينة سياسية أو دينية فذلك أمر مفهوم.
ولكن من غير المفهوم ، ومن غير المقبول أن يذهب الشطط والهراء ببعض ممن يكتبون في بعض الصحف الخليجية إلى طرح ما لا يجوز ولا يليق مهما كانت درجة الخلاف والاختلاف مع أي طرف فلسطيني، خاصة وسط دوامة الاحباطات المستمرة على كافة المستويات التي يعاني منها المواطن العربي جراء هذه السلبية من العدوان الوحشي المتصاعد على الشعب الفلسطيني في غزة وعلى كافة المستويات.
نعم من غير المفهوم وغير المقبول أن يذهب البعض إلى المدى الذي يعبر عن حالة من الابتهاج بهذا العدوان، والشماتة للشعب الفلسطيني بشكل مقيت تجاوز كل الحدود حتى وأن جاء تحت ذريعة «عدم نسيان إساءات الفلسطينيين خلال الغزو العراقي على الكويت» ففي صحيفة خليجية انتابنا قدر كبير من الدهشة ممزوجة بدرجة عالية من الاستغراب حين قرأنا ما ذهب إليه كاتب يدعى عبدالله الهدلق إلى مستوى نراه يعبر عن عبثية عموم المشهد العربي الراهن، فقد دافع هذا الكاتب دفاعاً مستميتاً عن اسرائيل ومهاجماً «حماس»، واقعاً في فخ التعميم حينما وصف الفلسطينييــــــــن «بالإرهابيين والمعتوهين والحمقى»، ولا تقف الدهشة والاستغراب عند ذلك الحد، وعند تلك الدرجة، وإنما نتواصل حينما نقرأ دعوة المذكور إلى إبادة الفلسطينيين وتلقينهم درساً لن ينسوه، قائلاً «بأن الفلسطينيين أينما حلوا حل معهم الإرهاب والإفساد والقلاقل والفتن واللؤم ونكران الذات ، وأن قطاع غزة هو رحم التطرف والإرهاب وما يتعرض له شعب هذا القطاع وقياداته هو جزاؤهم». ويذهب كاتبنا إلى القول بأنه «لا يمكن لشعب لم يعرف إلا التشرد والضياع ثم التشدد والتطرف والإرهاب والقتل والهجمات الانتحارية وقذائف الكاتيوشا التي يطلقها بشكل يومي على المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال في المدن الإسرائيلية أن يشكل مجتمعاً مدنياً ونواة لدولة فلسطينية حضارية قابلة للاندماج في المجتمع الدولي»..!!
إنه مقال فيه الفجاجة الشيء الكثير مهما كانت دافعية هذا الرأي الذي لا يقيم وزناً لمئات الصور المأساوية التي نراها كل يوم على الشاشات، والدماء التي تتدفق على امتداد أرض قطاع غزة لشهداء أبرياء من الأطفال والشيوخ والعجزة وأبطال المقاومة والتي كلها تحمل المزيد من الألم والحزن والكآبة، وكأن في معاناة الشعب الفلسطيني في غزة انتقام لموقف بعضهم، ومهما حاول هذا الكاتب أو ذاك أن يتمنطق بالحجج في مناهضة حماس والفلسطينيين، فهو حتماً رأي لا يمثل رأي شعبه.
إن ما قاله هذا الهدلق لم يكن غريباً أن تضعه اسرائيل في صدر الصفحة الإلكترونية لوزارة خارجيتها التي وصفت هذا الهراء بأنه يمثل الصوت العربي المتعقل.. !! حقاً لا خير في أمة اذا كان هذا هو صوت عقلائها.
ذلك النموذج مخجل حقاً، والأكثر هلعاً وفضاعة عندما تخرج وسط هذه الدوامة من الاحباطات المستمرة كتابات أخرى مماثلة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه فؤاد الهاشم الذي ضمن ما قاله بأنه «ليس من مسؤوليتنا أن نلم شمل الفلسطينيين».. و «أرسلوا لهم فقط الخيام والبطاطين والأدوية وعلب الفول والباذنجان المخلل، ولا شيء غيـــر ذلك ».. !!.
لا أدري هل مطلوب من الفلسطينيين في غزة أن يبوسوا أيديهم «وش وظهر» كما يقال ويحمدوا للعدو الإسرائيلي «نعمة» التنكيل بهم وأن يتمنوا ويشكروا له قصفهم والضربات التي تنهال عليهم وتعرضهم لأقسى ألوان الذل والطغيان والمهانة، وأن يعربوا عن شكركم العميق لرئيس أكبر دولة تزعم أنها ترعى الحرية والديمقراطية والسلام لأنها تطلب منهم ضبط النفس وتطلب من اسرائيل المزيد من العدوان، وأن يشكروا الدول العربية على «موقفهم العقلاني» الداعي للفلسطينيين في غزة إلى رفض فكرة الاحتجاج والرفض والقبول بعدم المقاومة وإلا صاروا إرهابيين ومتطرفين، وألا نكترث كشعوب عربية لموت طفل، أو مواطن فلسطيني، وأن لا نبدي أي اهتمام بكل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان وحصار وتجويع وقتل وإرهاب، حتى يرضى الهدلق والهاشم وغيرهما من الذين يسيرون في هذا الركب، من الكتاب والسياسيين العرب خاصة أولئك الذين يصرون على أن يظهروا لنا بمظهر الحرص على أمة العروبة والإسلام، والذين صار بوسعنا أن نتوجه لهم بالشكر والامتنان لأنهم نبهونا مجدداً وان كنا لسنا في حاجة إلى تنبيه إلى ما كان يفترض أن نتنبه إليه باستمرار ، وهو أن واقعنا العربي الــذي دخــل في طــور العبـــث الذي ينتمي إلى عالم اللامعقول.. !!
صحيفة الايام
9 يناير 2009