حين تناقش أزمة القراءة، أو في تعبير أوسع: أزمة الكتاب في العالم العربي، نذهب مباشرة إلى تقديم أرقام عن نسبة الأمية العالية، حيث لا يقرأ الناس ولا يكتبون. ويجري الحديث أيضاً عن منافسة وسائل الاتصال الحديثة للكتاب. وغالباً ما نقرأ دراسات عن تهديد التلفزيون للقراءة، أو أثر »الانترنت« في انحسارها، وفي معارض الكتب يجري الحديث عن ارتفاع أسعار الكتب بوصفه سبباً لانصراف الناس عن شراء هذه الكتب، ولكن الواضح أن هذه الأسباب، إذا ما استثنينا مسألة الأمية، هي أسباب وهمية. يمكن الحديث عن تهديد وسائل الاتصال الحديثة للقراءة بالنسبة لأمةٍ قارئة أصلا، لا لأمة لا تقرأ. ثم كم هو عدد أولئك المشتركين في شبكة »الانترنت« في العالم العربي، والذين يجعلون من هذا الاشتراك وسيلة للمعرفة، للاطلاع والقراءة بحيث إنهم وجدوا أنفسهم في غنى عن الكتاب، خاصة اننا نطالع على الدوام شهادات أولئك المثقفين الذين يؤكدون أنهم لا يمكن أن يستغنوا عن طقس الكتاب، أو بالأحرى طقس قراءته، الذي لا يمكن لأية وسيلة أخرى أن تعوضه. لكن الأمر الذي لم ينل العناية الكافية في غمرة الحديث عن أزمة القراءة هو »أمية المثقفين«. ولا يجب النظر إلى هذا المفهوم باستغراب انطلاقا من الانطباع الفوري بأن المثقف لا يمكن أن يكون أميا، بل المطلوب التفحص في حقيقة أن »أمية« المثقفين تكمن في أن المثقف في مرحلة من المراحل حين يجد أن مكانته قد تكرست يكف عن تطوير معارفه بالمزيد من المتابعة والاطلاع والبحث ومتابعة الجديد. وهذا يفسر لنا مصدر تلك الصدمة التي تنتابنا حين نحضر محاضرة لاسم معروف في دنيا الثقافة، كنا قد قرأنا له مؤلفات ربما تكون قد أسهمت في يوم ما في تشكيل معارفنا، فنفاجأ بأن لا جديد لديه ليقوله، وأنه ظل يدور في حلقة المفاهيم التي صدئت وعتقت، ليبدو لنا خارج المعرفة، إذا ما سلمنا بأن المعرفة عملية مستمرة لا تعرف التوقف، وأنها تتغذى دائماً بالجديد والمفيد. والحق أن هؤلاء »المثقفين« يستمدون جانباً من وجاهتهم من ضعف الجدل الفكري والثقافي الذي يدفع نحو المثابرة وحتى المنافسة في البحث والتقصي ومتابعة الجديد المعرفي، لا بل الارتقاء بمنهج القراءة والتحليل نفسه كي يكون أداة فعالة في فهم واقع متحرك متغير ليس بالإمكان فهمه بالأدوات القديمة نفسها. وليس مفاجئا أن يتحدث بعض كبار المثقفين بخجل أو حتى من دون خجل أنهم لم يقرأوا شيئا مهماً منذ سنة أو سنوات أو يعتذرون عن أنهم لم يتمكنوا بعد من الاطلاع على أعمال زملاء لهم يشتغلون في الحقل المعرفي أو الإبداعي نفسه، ويقدمون فيه اجتهادات مغايرة أو غير مغايرة. ئهذا عن كبار المثقفين، فماذا عن صغارهم أو أشباههم؟ هنا تبدو الكارثة مضاعفة مرات، فإذا كانت قوة التأسيس ومتانته قد تشفع جزئيا للأسماء المعروفة، فإن صغار المثقفين وأشباههم ممن حفظوا بضع جمل وعددا من المصطلحات تخفي وراءها هشاشة وخواء يشكلون أزمة وعبئا حقيقيا على الثقافة والفكر وإساءة لهما.
صحيفة الايام
8 يناير 2009