إذا كان العام المنقضي الموصوف في الإعلام الغربي بأنه الأسوأ منذ نحـو 80 عاماً على الأقل اقتصادياً على مستوى العالم قد مّر علينا بأوجهه المشرقة وهي قليلة، والمكفهرة وهي كثيرة، على صعيد أكثر من عنوان أو ملف محلي، فإن عجلة العام الجديد التي بدأت أمس الخميس في الدوران، هي مناسبة لأن نسترسل ونتمادى في طرح أمنيات القادم من الأيام قبل أن نضيع في متاهات هذا العام أو نستكين أمام مفاجأته وحبائله، من دون أن نخفي بأن ثمة شعوراً سيظل يلازمنا بأننا محاصرون بالكثير من الهموم وعوامل القلق والوجع، وبذلك لا نستطيع أن نحمل حتى الآن على الأقل قناعات عميقة بأن علينا أن نتفاءل بالعام الجديد، أو نعتقد أنه سيكون عاماً مفروشاً بالإرادات الطيبة والنيات الحسنة حيال كثير من مجريات شؤوننا وأمور واقعنا، حقاً لا نستطيع أن نتفاءل رغم نتائج ذلك المسح الموسوم بأنه مسح عالمي والذي وضع البحرينيين بشكل قاطع لا لبس فيه ولا غموض في المرتبة التاسعة على مستوى العالم في قائمة المتفائلين بالعام الجديد.. !!
لا نريد أن نغرق في التفاؤل أو أن نفرط في التشاؤم، ولكن بوسعنا في الحالتين أن نتمنى وأن نعمل على إلا يكون هذا العام مجرد عام أو رقم يضاف إلى خانة الأعوام أو الأرقام دون أن نحقق شيئاً له قيمة، لذا دعونا نجتهد ونطرح تمنيات نقتصرها على الشأن المحلي، قد تكون في النهاية وجهة نظر في بعض أمور واقعنا:
ـ نتمنى في العام الجديد أن نشهد ولادة تفكير جديد، ونظرة جديدة، بل وعقلية جديدة، وروحية جديدة تغادر البدايات والنهايات الراحلة بكل احباطاتها وتقلباتها وأخطائها وخطاياها والتي جعلت الباب مفتوحاً لاستقبال المزيد من خيبات الأمل، وأن نراوح في غير مكان.
ـ في العام الجديد نتمنى ألا نقف عاجزين عن مواجهة الرياح الخبيثة التي تهب علينا بين الفنية والأخرى لتنفث سموم الفرقة والفتنة الطائفية والمذهبية، وأن نعي جميعاً بأن هذه الرياح الخبيثة باتت تهدد حاضر ومستقبل البلاد وهي أخطر الأمراض التي تواجه البحرين الوطن والشعب ومفهوم الدولة، كما علينا في هذا العام أن نركز على تجاوز الحالة الطائفية لا تكريسها، والعمل على وقف تغلغلها لا انتشارها، وأن نرفض عطاء ومشيئة ومعارك الطائفيين وحتى بعض النواب الذين يغذون الطائفية ويتغذون منها.
ـ في العام الجديد نتمنى أن تنال قيمة “المساءلة” حظها من الحضور الكافي واللازم في ميادين العمل العام، وإلا يصير كل مال عام مالاً سائباً يستطيع كل من واتته الفرصة أن يمارس بشأنه ما يشاء من تصرفات وتعديات وأخطاء وتجاوزات دون حسيب أو رقيب، ونتمنى أن يكون هذا العام عام فتح ملف الانحرافات والفساد وكشف الأخطاء والانحرافات التي لم تمتد إليها يد بالتطهير والعلاج بحسم وحزم، ناهيك عن الردع، ليحاسب كل من قصر وفسد وأفسد واستغل منصبه للكسب غير المشروع، وأن نعيد للبلاد أفضل ما نُهب منها من قيم الأمانة والنزاهة وقدسية المال العام.
ـ نتمنى في العام الجديد أن نخلق مناخاً مواتياً يرفع من كفاءة العمل السياسي ويدفع به إلى الأمام، وليس إلى الوراء، ويستوعب مختلف التيارات والأفكار والأطياف ويوظفها في خدمة المقاصد العليا للوطن، وليس لخدمة مصالح أياً كان نوعها، شخصية، أو فئوية أو طائفية، أو مذهبية، وأن يستوعب الجميع بأن الذين يخالفوننا في الرأي أنما يستعملون حقاً من حقوقهم، وأن من واجبنا أن نحميهم ونحافظ عليهم ونشجعهم على إبداء رأيهم بلا خوف أو تردد أو تشكيك أو تخوين، وعلينا أن نصل إلى المستوى الذي نحمي فيه حق المعارضين بنفس القدر الذي نحمي فيه حق المؤيدين.
ـ أيضاً في العام الجديد نتمنى ألا تحل المشاكل الديمقراطية بعقليات دكتاتورية، عقليات الذين يؤمنون بالنوافذ المغلقة، ويقدسون السلاسل المقيدة للحريات، ويوهموننا أنهم يخوضون الديمقراطية في الوقت الذي يزهقون روحها إن وجدت.
ـ نتمنى في العام الجديد أن يرتفع شعار الجدارة والكفاءة، وأن يتم اختيار كل من يتولى منصباً قيادياً بعيداً عن الترضيات والاعتبارات أو الضغوطات المعروفة، وأن تكون كل الممارسات والنظم والسياسات واللوائح مبرهنة على أننا بدأنا نلتزم بهذا النهج عن قناعة وليس من باب الشعارات التي تدحضها الممارسات الفعلية، ونتمنى أن نصل إلى اليوم الذي نجد فيه رجالا يملؤون المناصب لا إلى رجال يملؤون الكراسي.. !
ـ وعلى صعيد العمل النيابي نتمنى أن يتوقف النواب في هذا العام الجديد عن تلك الصور من الممارسات التي تمتلئ بميول استعراضية مقرونة بصخب شديد مصطنع ومبالغات وتهويلات بغير حدود مضيعين الأولويات والأوقات والفرص، وأن يهجر نوابنا ثقافة الاتهام والتشكيك والتخوين والانتقاص من حق بعضهم البعض، والوقوف عن طأفنة الوطنية، وإلا يدعي كل طرف بأنه يحتكر الوطنية، ونتمنى أن يكون تصدي بعض النواب لبعض الممارسات الحكومية التي يختلفون معها أو يعارضونها أو ينتقدونها أو الانحرافات والتجاوزات التي يتصورونها أو يرصدونها مرتبطة بطهارة كاملة من جانبهم لأنه لا يمكن أن يتصدى للفساد من تطولهم شبهته، ونتمنى في هذا العام أن تختفي ظاهرة النواب الذين حينما يتحدثون وكأنهم يتحدثون باسم الحكومة، أو كأنهم موظفون رسميون لهذا الوزير أو ذاك أو كأنهم ناطقون باسم أجهزة رسمية، في أسوأ الأحوال موظفون في إدارات علاقات عامة لبعض الوزارات.
ـ نتمنى أن تكون مؤسسات مجتمعنا المدني مؤسسات مبادئ،لا مؤسسات أشخاص، مؤسسات تدفعنا إلى الأمام، وتمارس دورها بإيجابية، ولا تلقي بنا إلى الخلف، وأن تطوي الشعارات من أمامها وخلفها، مؤسسات لا تتفرج على الأخطاء دون أن تجرؤ على الاعتراض، ولا تضغط علينا بالمخاوف وكل ما يبعث على صناعة القلق والشحن الطائفي والانقسام المذهبي.
ـ نتمنى في العام الجديد أن تنتهي صلاحية أولئك الذين يحاولون أن يضفوا على أنفسهم في المشهد المحلي مظهراً أكبر من حجمهم، وينظرون إلى الساحة وكأنهم فرسانها، والذين يتهيئون في كل مناسبة للوثوب على الصفوف الأمامية سعياً إلى تلميع أو ثروة أو موقع أو مكانة أو هدف هو بالنهاية لا يصب إلا في المصلحة الخاصة.
ـ نتمنى أن نلج باب العصر عبر مفاهيم التخطيط والتنظيم والتنمية والإدارة، وألا نستمر في ممارسة القصور الواضح لهذا الفهم لتكون هذه المفاهيم أولاً وقبل كل شيء ثقافة وسلوكاً وممارسة، وليس مجرد شعارات تفتقر إلى النضج والإدراك في استيعاب معطيات العصر ومستجداته ومتطلباته.
ـ نتمنى أن يشهد العام الجديد توقفاً كلياً عن كل ما يدخل في سياق الاختلال والعجز والتناقض لمفهوم بناء دولة القانون والمؤسسات، وأن يوضع حد لقدرة البعض الخارقة على تشويه تطبيقات القوانين والإفلات من أحكامها، ونتمنى أن يكون العام الجديد عاماً جديداً للإصلاح، وانطلاقة لمرحلة جديدة من العمل البناء، وأن يشعر كل مواطن بالأمان في بيته وفي عمله وحياته، وألا يضع يده على قلبه كلما اختلف بحرينيان، أو كلما حدثت مشكلة بين أبناء حي وحي، ونتمنى ألا ينقسم البلد إلى مراكز نفوذ ورعايا، وأسياد وعبيد، وحكام ومحكومين، ومخلصين وخونه، وأبناء الشعب وأعداء الشعب.
ـ نتمنى أن يكون العام الجديد عاماً يقف فيه كل وزير ليشرح لنا برنامج وزارته ومشروعاته والتزامه بجدولة زمنية للتنفيذ، ويعرض بالرسوم والأرقام والتكاليف، وأن نتخلص في هذا العام من سياسة نفي المشكلات عبر تعمية هذه المشكلات أو عدم الاعتراف بوجودها أصلاً، أو التقليل من شأنها.
ـ نتمنى في العام الجديد أن نتخلص من شخصنة العمل العام في كل موقع، وألا تصبح الاعتبارات والمعالم الذاتية هي الطاغية تتحكم بنا وتقودنا وتلطخ علاقاتنا، وأن نرسي دولة المؤسسات والقانون التي يعلو دورها فوق دور الأفراد الذين يرون بأن المؤسسات مالها ومن فيها تابعة لهم ولا يدركون بأنهم قادمون وذاهبون، تأتي بهم قرارات وتذهب بهم قرارات.
ـ نتمنى ألا يكون عام ٩٠٠٢ بداية لسنوات عجاف على خلفية الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، وألا يرسم هذا العام واقعاً جديداً مليئاً بالمزيد من المحبطات والمتناقضات فيما نحن مقبلون عليه داخلياً، وخارجياً، كما نتمنى ألا تحصد عجلة هذه الأزمة المواطن الذي لم يستشعر بثمار عوائد الطفرة النفطية السابقة ويخشى أن يتحمل تبعات انخفاضها الآن. ونتمنى أن تطبق محاور الرؤية الاقتصادية للبحرين وان تأخذ مساراتها الفعلية المعلنة لتخلق واقعاً أفضل للوطن والمواطن.
ـ نتمنى في العام الجديد ألا نشهد استمرار حالة الضنك التي يعاني منها كثير من المواطنين، وأن نأخذ بمضامين وجوهر التنمية لا بمظاهرها أو زينتها وزخرفها لتضيف إلى القائمة خللاً بل خطأ فادحاً.
ـ نتمنى أن تحمى حرية الصحافة من السهام التي توجه إليها وتتحطم القيود التي حولها، ويطلق لسانها ولا توضع كمامات على فمها وأن يطاح بأي محاولة تستهدف الحد من حريتها وإخراس صوتها.
ـ نتمنى في العام الجديد إلا نرى باطلاً يعطل الحق بقوته، ولا نرى حقاً لا يجد من يحميه، وأن يكون الجميع أبناء وطن واحد ليس فيه مواطنون ورعايا، وأن نجعل المواطنة الحقيقية هي المعيار الذي نحتكم إليه، والمصدر الذي نمضي وراءه من أجل مساواة للجميع في الفرص والطموحات والأحلام والتمنيات، والفعل الذي يبني الوطن.
– الأمنيات كثيرة، نتمنى ألا توصد الأبواب أمامها، وأن تحظى أمنياتنا وأمنياتكم بجرعات تزيد التفاؤل، وأن نصل إلى فعل ننهض به معاً، وحلم مشترك نطلع إليه ونجتمع عليه في العام الجديد، وكل عام وأمانيكم بمشيئة الله قابلة للتحقق.
الأيام 2 يناير 2009