مبادرة جلالة الملك في الجمع والتوفيق بين المعنيين بالشأن الديني في البلاد جاءت نتيجة للشحن الطائفي الكريه وانعكاساته السلبية على جميع نواحي الحياة – اجتماعية – سياسية – ثقافية. هذا الشحن الطائفي المذهبي الذي بدأ يطفو على سطح العائلة الواحدة حيث كان التزاوج المختلط بين الطائفتين للعديد من العوائل البحرينية…فهذا الترابط الأسري أخذ يضمحل شيئاً فشيئاً وقد اتسعت الهوة في المدارس بين المدرسين والمدرسات وفي المؤسسات الحكومية وأصبح السؤال المطروح قبل أي اتفاق عقدي، هل المتقدم سني أو شيعي؟ والذي لم يكن معهوداً في السابق.
الآن يأتي هذا الحراك ” العلمائي الوطني ” لدعم الوحدة الوطنية ، أن هذا التقارب لا بد وإن يصب في الصالح العام إذا كانت هناك مصداقية فعلية لدى الطرفين بالتعاون مع السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني… فا لمشكلة تكمن في الأجندة التي ستوضع على طاولة البحث لاجتثاث أسباب هذا التخندق الطائفي…
ولقد شدد نائب رئيس المجلس الإسلامي العلمائي السيد عبد الله الغريفي في كلمته التي ألقاها في ندوة يوم الخميس 16 أكتوبر في بيت القرآن تحت عنوان أدب الحوار (( أن الحوار لكي يكون ناجحاً فإنه يتطلب ضمانات . ومنها يكون هدف الحوار واضحاً وإلا تعقدت التجاذبات وتأسست الخلافات، وماذا نريد من الحوار وهل يعالج مشكلاً سياسياً أو دينياً وأن يوحد موقفاً مشتركاً حتى لا يكون حواراً تائهاً )).
كلام جيد وصريح، لكن فلنأتِ للتطبيق الفعلي على أرض الواقع ، ونبدأ بالملف المسيس الغائب الحاضر ، وهو ملف قانون الأحوال الشخصية…إذا كنا فعلاً ندعو للوحدة الوطنية ونبذ التعصب الطائفي علينا أن نبدأ بهذا الملف والذي يعني عدم إصداره قمة التعصب الطائفي تجاه نصف المجتمع.
في الحلقة الحوارية التي نظمتها لجنة شئون المرأة في المنبر التقدمي عن مرئيات الاتحاد النسائي البحريني لضرورية وأهمية إصدار قانون الأحوال الشخصية حيث قدم الرفيق عضو المكتب السياسي المحامي حسن إسماعيل ورقة ضمنها أربعة أسئلة أساسية ومهمة يجب التوقف عندها:
ما هي أهمية وضرورة إصدار قانون للأحوال الشخصية.
ما مدى فاعلية وواقعية حجج المعارضين في صدور القانون.
ما مدى انسجام القانون مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها البحرين.
انطلاقاً من مبدأ الدين الإسلامي الحنيف ” في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف” لماذا لم تكن هناك إمكانية لصدور قانون موحد للطائفتين ( الشيعية والسنية ).
من ناحية ضرورة وأهمية إصدار القانون لا خلاف عليه من شريحة كبيرة في المجتمع سواء من الطائفية السنية أو الطائفية الشيعية..ولكن الإشكالية تنبع في الرجوع لمرجعية كل طرف وعدم الخروج على رأي هذه المرجعية أو تلك ، بمعنى تقديس هذه المرجعية. فالكل واعي ومدرك أن أي قانون للأحوال الشخصية سيصدر لن يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية، وكذلك ومن المهم أن لا يكون القانون مخالفاً للحقوق المكتسبة والتي حققتها المرأة طوال تاريخ نضالها …ولن نقبل بقانون يخالف مبادئ ميثاق العمل الوطني أو أحكام الدستور أو المواثيق الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين في حين نطرح . سؤال مهم وهو لماذا تحفظت مملكة البحرين على جميع بنود المادة – 16 – من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو ) هذه الاتفاقية والتي صادقت عليها حكومة البحرين وبتصديقها تصبح حكومة البحرين ملزمة بتنفيذها على أرض الواقع . نحن نطالب برفع جميع التحفظات على الاتفاقية من مبدأ أن تلك التحفظات تفرغ الاتفاقية من جوهرها.
أن ما جاء في مقدمة التقرير الحكومي المرفوع للجنة سيداو في الأمم المتحدة والذي سيناقش في جنيف ما يلي ” باستثناء المواد التي تم التحفظ عليها فإن انضمام المملكة إلى هذه الاتفاقية لهو دليل حازم على السعي الدءوب من قبل المملكة نحو ترسيخ مبادئ المساواة بين الجنسين في اتجاه القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ” أن هذا التحفظ لهو أكبر دليل على أن السلطة غير جادة في القضاء على كافة أشكال التمييز. فالتحفظ على جميع بنود المادة (16 ) والتي تعنى بأحوال قوانين الأسرة هو تمييز صارخ وفاقع للعيان. صحيح أن لدى السلطة حساباتها السياسية ومساوماتها عند إصدار أي قانون مع أي فئة متنفذة في المجتمع. وبما أن المرأة دائماً هي الحلقة الأضعف في إي معادلة لهذا اختير هذا الملف للخلاف السياسي بين السلطة ورجال الدين ووقعت المرأة أسيرة لهذه الخلافات السياسية.
اننا نرى أن الكل يتشدق بأنه لا يمكن إصدار قانون لأحكام الأسرة…أو للأحوال الشخصية إلا بتوافق مجتمعي!!! ماذا يعني لنا هذا التوافق . ما هو تقييمنا لهذا التوافق ؟ من الذي يحدد آفاق هذا التوافق؟ المفروض أن المجتمع بكل أطيافه المستنيرة هو الذي يحدد هذا التوافق . وليس فئة متحكمة في رقاب العباد تسيرهم حسب مصالحها الفئوية ونظرتها الدونية للمرأة.
نحن نعيش هذه الأيام فترة تصالح وحوار وطني بين الطائفتين الكريمتين لدرء واستشراء التعصب الطائفي المقيت ووضع آليات عملية للقضاء على هذا السرطان الخبيث..وطبعاً سوف تكون هناك أولويات في طرح الملفات. وأتمنى أن لا يكون ملف قانون الأحوال الشخصية من الملفات المغيبة والثانوية. فإذا كانت هناك صدقية من جميع أطراف السلطة التنفيذية والتشريعية ورجال الدين والمجتمع المدني، أن على هذه الأطراف المطالبة بتشكيل لجنة عاجلة لمناقشة هذا الملف كما فعلت وتفعل الدول العربية والإسلامية ذات الأثنية المجتمعية.
ومثلاً في عهد عبد الكريم قاسم عام 58 صدر قانون عادل عصري للأحوال الشخصية في العراق حيث شكلت لجنة من جميع الطوائف والمذاهب الإثنية لوضع مسودة قانون يرضي جميع الملل…ويأخذ من كل مذهب ما هو إيجابي ونبذ ما هو سلبي من تشريعات واجتهادات تقف عائقاً في مسيرة تطور المرأة والمجتمع.
من خلال مسيرتنا الطويلة ما يقارب الثلاثة عقود واجهتنا معوقات كثيرة سواء من خلال نشر الوعي بأهمية إصدار القانون أو أثناء مناشدة السلطة التشريعية لمناقشة القانون وإصداره حيث ووجهنا من قبل بعض رجال الدين برفض قاطع لقانون الأحوال الشخصية وبشروط تعجيزية . مثل إيجاد ضمانة دستورية وعدم مناقشته من قبل السلطة التشريعية..فهذه الحجج ما هي إلا ابتزاز سياسي….لأن جميع القوانين لا تصدر إلا عن طريق السلطة التشريعية حسب الدستور المصدق من قبل جلالة الملك.
خاص بنشرة التقدمي