قانون أحكام الأسرة هو في جوهره تشريع لتنظيم أحوال الأسرة، وبشكلٍ أساسي في اتجاه إنصاف المرأة وحمايتها من أوجه العسف والإيذاء التي تتعرض لها، والوقائع الدالة على ذلك هي من الاتساع والتنوع بما تعجز مساحةٌ قليلة مثل هذه عن بسطها.
الناس تعرف، والنساء في مقدمة مَن يعرف، أن في المحاكم التي تنظر في القضايا ذات الصلة بأحوال الأسرة، تجاوزات يندى لها الجبين، والنساء يضجن بالشكوى مما يتعرضن له من أذى وظلم.
هذا القانون ليس تشريعاً في السياسة، ولكن ما مِنْ قانون سُيسَ في هذا البلد أكثر منه، وما زال هذا التسييس يحول دون أن يبصر القانون النور.
من يقرأ ردود الفعل الحادة ضد صدور هذا القانون من قبل بعض العلماء الأفاضل، وهي ردود جعلت بعضنا يتباهى بأن أكبر مسيرة في تاريخ البحرين، من حيث عدد المشاركين والمشاركات فيها، إنما خرجت ضد إقرار السلطة التشريعية لقانون الأحوال الشخصية، يحسب أن البحرين هي وحدها الدولة الإسلامية في عالم اليوم، وأن نظيراتها من الدول العربية والإسلامية التي ارتضت تقنين أحكام الأسرة في مُدونات وقوانين قد خرجت على شرع الله.
وأصبح هذا القانون وسيلة من وسائل اختبار القوة في العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية، الشيعية منها خاصةً، ولأنه صار كذلك، فانه تحول مع الوقت إلى موضوع للمساومات والترجيحات، التي نعلم بعضها ولا نعلم البعض الآخر.
وهكذا أصبح طرح هذا القانون موسمياً، فنعيش فترةً تكثر فيها الحملات الدعائية والإعلامية الداعية لإقرار القانون والتوعية بأهميته، ويجري الحديث عن قرب التقدم به إلى المجلس الوطني للنظر فيه وإقراره، يستتبع ذلك ردود فعل غاضبة من معارضيه، فيُطوى الملف مؤقتاً وتعود مسودة القانون للأدراج، في نتيجة تفاهمات أو تسويات، تتعدى في تقديرنا، موضوع القانون نفسه، وتطال قضايا أخرى ذات طابع سياسي تندرج في إطار علاقة الدولة مع فئات من مواطنيها، وهذا هو جوهر التسييس الذي تقع فيه الدولة ورجال الدين على حد سواء.
وكأن هذين الطرفين الرئيسيين الداخلين في اختبارات الشد، حيناً، والتراخي حيناً آخر، جعلا من القانون مجساً لهذه الاختبارات، في المواقيت وفي المدى الذي تذهب إليه.
مؤخراً أعلنت الحكومة أنها أقرت مشروع القانون وستدفع به إلى المجلس الوطني، وهو أمر ليس بوسعنا إلا أن نشيد به، داعين لبلوغ توافق مجتمعي شامل حول القانون، وإذا أرادت الحكومة شهادةً بأنها في ذلك تبدو أكثر”تقدمية” من المعارضين لتقنين أحوال الأسرة، فسنفعل، لولا خشيتنا من عدة أمور، بينها واحد مهم، ولدينا فيه مسوغات كثيرة، هو أن الحكومة، بتقديمها المشروع تريد إبلاغ رسالة للمنظمات الدولية المعنية، وللخارج عامة، بأنها أوفت بما تعهدت به فتقدمت للسلطة التشريعية بالقانون، وبالتالي فان الكرة خرجت من ملعبها، وأصبحت في ملعب مجلس النواب الخاضع لنفوذ القوى الإسلامية.
إن كان هذا هو الهدف الذي ينطوي في جانب منه على ما يمكن إدراجه في بند العلاقات العامة، فها نحنُ مرةً أخرى أسرى لتسييس القانون، لأن الأمر لم يُبنَ على رغبةٍ جادة في أن يرى النور عبر تذليل ما يعترضه من عراقيل، وممارسة الضغط الضروري الذي تستطيعه الحكومة إن هي أرادت في تحقيق ذلك، وإنما بُني على الرغبة في القول”اللي علينه سويناه”.