المنشور

البحرين في‮ ‬أعينٍ‮ ‬كويتية‮ (٢)‬

بعض من التقيتهم من الكويتيين‮ ‬يعبرون عن إعجاب كبير بالحراك الثقافي‮ ‬؟ السياسي‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬يبلغ‮ ‬حد الغبطة،‮ ‬حين‮ ‬يقارنون بينه وبين ما هو عليه في‮ ‬الكويت،‮ ‬ولعل من قرأ مقالة أحمد البغدادي‮ ‬المنشورة أمس في‮ ‬الأيام‮ ‬يلمس‮  ‬بعض ما أُشير إليه‮.‬ هذه المقالة سبق لها أن نُشرت في‮ ‬الصحافة الكويتية وحظت باهتمام وتعليقات عديدة‮.‬ أمر جميل أن نرى صورتنا من خارجها،‮ ‬لأننا في‮ ‬غمرة انغماسنا في‮ ‬شأننا المحلي،‮ ‬وهو انغماس‮ ‬ينسينا أحياناً‮ ‬أن البحرين ليست إلا بلد صغير في‮ ‬منظومة خليجية أشمل،‮ ‬وأن شأنها المحلي‮ ‬على أهميته لا‮ ‬يمكن النظر إليه بمعزل عما‮ ‬يدور في‮ ‬مجتمعات هذه المنظومة‮.‬ إلى ذلك فان انغماسنا في‮ ‬شأننا اليومي‮ ‬المحلي‮ ‬يجعلنا على معرفة بالكثير من التعقيدات التي‮ ‬لا‮ ‬يشعر بها الرائي‮ ‬من الخارج،‮ ‬وإذا شعر بها فانه لا‮ ‬يُقدر حجمها الذي‮ ‬نلمسه بحكم تماسنا اليومي‮ ‬معها‮.‬ نشرح للأشقاء الكويتيين الذين‮ ‬يخشون على ميراث التنوير في‮ ‬بلادهم من الهجمة الأصولية أن الحال في‮ ‬البحرين،‮ ‬في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬يبعث على القلق أيضاً،‮ ‬ويحتاج إلى المزيد من الجهود من القوى والشخصيات الديمقراطية والليبرالية،‮ ‬المطالبة بتأطير جهودها من أجل درء المخاطر على هذا الميراث‮.‬ كما نشرح صعوبات التحول السياسي‮ ‬نحو مناخ ديمقراطي‮ ‬يضمن مقادير اكبر وأوسع من الحريات العامة،‮ ‬بما فيها حرية الصحافة والتعبير والتنظيم الحزبي‮ ‬والنقابي‮.‬ لكن المقارنة بين الكويت والبحرين لا تحتمل التبسيط،‮ ‬لأن لها أوجه مركبة عدة‮.‬ ‮ ‬في‮ ‬بعض المجالات تبدو البحرين متفوقة،‮ ‬ولكن لا‮ ‬يمكن إغفال تفوق الأشقاء في‮ ‬الكويت علينا في‮ ‬أوجهٍ‮ ‬أخرى،‮ ‬بينها سقف حرية الصحافة المتاح هناك والذين‮ ‬يدعونا لغبطة أشقائنا الكويتيين عليه،‮ ‬مع تقديرنا لما أُحرز من تقدم في‮ ‬هذا المجال لدينا في‮ ‬مرحلة ما بعد ميثاق العمل الوطني‮.‬ بوسعنا أن نغبطهم أيضاً‮ ‬على ندية السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية هناك،‮ ‬بصرف النظر عن وجهة نظرنا في‮ ‬تركيبة مجلس الأمة الكويتي‮ ‬الراهن،‮ ‬التي‮ ‬تهيمن عليها،‮ ‬كما هو الحال عندنا،‮ ‬الاتجاهات المحافظة،‮ ‬وعن عبثية بعض المعارك التي‮ ‬تُفتعل من قبلها‮.‬ لكن ما‮ ‬يدعو للفخر ما‮ ‬يراه الكويتيون من حيويةٍ‮ ‬سياسيةٍ‮ ‬واجتماعيةٍ‮ ‬في‮ ‬بلادنا‮ ‬يشعرون بأنهم‮ ‬يفتقدونها،‮ ‬تعبر عن رسوخ بنية المجتمع المدني‮ ‬الحديث وفاعليته،‮ ‬وهي‮ ‬ميزة‮ ‬يحق للبحرينيين أن‮ ‬يفخروا بها،‮ ‬وأن تكون باعثاً‮ ‬لهم على صون هذا المنجز الذي‮ ‬تكرس عبر عقود وتطويره‮.‬ في‮ ‬هذا السياق أذكر ما قالهُ‮ ‬صديقٌ‮ ‬لي‮ ‬حضر حفل افتتاح المقر التقدمي‮ ‬منذ‮ ‬يومين،‮ ‬عن شعوره بأن عدد ونوعية الحضور في‮ ‬هذا الحفل تُشير إلى قوة التيار الديمقراطي‮ ‬والليبرالي‮ ‬في‮ ‬المجتمع البحرين،‮ ‬وقُدرتهُ‮ ‬على أن‮ ‬يكون مؤثراً‮ ‬في‮ ‬الحياة العامة في‮ ‬البحرين،‮ ‬وهي‮ ‬قوةٌ‮ ‬يجب أن‮ ‬يُقدر هذا التيار نفسهُ‮ ‬حجمها وأهميتها،‮ ‬لتقوية ثقتهِ‮ ‬في‮ ‬نفسه وطاقاته‮.‬ المنجز البحريني،‮ ‬اجتماعياً‮ ‬وثقافياً،‮ ‬منجز كبير،‮ ‬وفي‮ ‬المجال السياسي‮ ‬علينا إدراك أن بُنية مجتمعنا المدني‮ ‬التي‮ ‬يُنظر إليها بتقديرٍ‮ ‬كبير في‮ ‬بلدٍ‮ ‬شقيق مثل الكويت وغيرها من البلدان،‮ ‬ولكن هذا المنجز بحاجةٍ‮ ‬إلى صونٍ‮ ‬وحماية وإلى تطوير،‮ ‬خاصة وأن هذا المنجز عُرضة لمخاطر تتربصهُ‮ ‬من أكثر من جهة‮.‬
 
صحيفة الايام
25 ديسمبر 2008