بعض من التقيتهم من الكويتيين يعبرون عن إعجاب كبير بالحراك الثقافي ؟ السياسي في البحرين، يبلغ حد الغبطة، حين يقارنون بينه وبين ما هو عليه في الكويت، ولعل من قرأ مقالة أحمد البغدادي المنشورة أمس في الأيام يلمس بعض ما أُشير إليه. هذه المقالة سبق لها أن نُشرت في الصحافة الكويتية وحظت باهتمام وتعليقات عديدة. أمر جميل أن نرى صورتنا من خارجها، لأننا في غمرة انغماسنا في شأننا المحلي، وهو انغماس ينسينا أحياناً أن البحرين ليست إلا بلد صغير في منظومة خليجية أشمل، وأن شأنها المحلي على أهميته لا يمكن النظر إليه بمعزل عما يدور في مجتمعات هذه المنظومة. إلى ذلك فان انغماسنا في شأننا اليومي المحلي يجعلنا على معرفة بالكثير من التعقيدات التي لا يشعر بها الرائي من الخارج، وإذا شعر بها فانه لا يُقدر حجمها الذي نلمسه بحكم تماسنا اليومي معها. نشرح للأشقاء الكويتيين الذين يخشون على ميراث التنوير في بلادهم من الهجمة الأصولية أن الحال في البحرين، في هذا المجال، يبعث على القلق أيضاً، ويحتاج إلى المزيد من الجهود من القوى والشخصيات الديمقراطية والليبرالية، المطالبة بتأطير جهودها من أجل درء المخاطر على هذا الميراث. كما نشرح صعوبات التحول السياسي نحو مناخ ديمقراطي يضمن مقادير اكبر وأوسع من الحريات العامة، بما فيها حرية الصحافة والتعبير والتنظيم الحزبي والنقابي. لكن المقارنة بين الكويت والبحرين لا تحتمل التبسيط، لأن لها أوجه مركبة عدة. في بعض المجالات تبدو البحرين متفوقة، ولكن لا يمكن إغفال تفوق الأشقاء في الكويت علينا في أوجهٍ أخرى، بينها سقف حرية الصحافة المتاح هناك والذين يدعونا لغبطة أشقائنا الكويتيين عليه، مع تقديرنا لما أُحرز من تقدم في هذا المجال لدينا في مرحلة ما بعد ميثاق العمل الوطني. بوسعنا أن نغبطهم أيضاً على ندية السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية هناك، بصرف النظر عن وجهة نظرنا في تركيبة مجلس الأمة الكويتي الراهن، التي تهيمن عليها، كما هو الحال عندنا، الاتجاهات المحافظة، وعن عبثية بعض المعارك التي تُفتعل من قبلها. لكن ما يدعو للفخر ما يراه الكويتيون من حيويةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ في بلادنا يشعرون بأنهم يفتقدونها، تعبر عن رسوخ بنية المجتمع المدني الحديث وفاعليته، وهي ميزة يحق للبحرينيين أن يفخروا بها، وأن تكون باعثاً لهم على صون هذا المنجز الذي تكرس عبر عقود وتطويره. في هذا السياق أذكر ما قالهُ صديقٌ لي حضر حفل افتتاح المقر التقدمي منذ يومين، عن شعوره بأن عدد ونوعية الحضور في هذا الحفل تُشير إلى قوة التيار الديمقراطي والليبرالي في المجتمع البحرين، وقُدرتهُ على أن يكون مؤثراً في الحياة العامة في البحرين، وهي قوةٌ يجب أن يُقدر هذا التيار نفسهُ حجمها وأهميتها، لتقوية ثقتهِ في نفسه وطاقاته. المنجز البحريني، اجتماعياً وثقافياً، منجز كبير، وفي المجال السياسي علينا إدراك أن بُنية مجتمعنا المدني التي يُنظر إليها بتقديرٍ كبير في بلدٍ شقيق مثل الكويت وغيرها من البلدان، ولكن هذا المنجز بحاجةٍ إلى صونٍ وحماية وإلى تطوير، خاصة وأن هذا المنجز عُرضة لمخاطر تتربصهُ من أكثر من جهة.
صحيفة الايام
25 ديسمبر 2008