هل حدث أن تراكمت أمامك عقدة من المهام والواجبات عليك فكها وإنجازها في فترة زمنية قصيرة أو محدودة، خاصةً إذا كانت هذه المهام غير قابلة للتأجيل ومرتبطة بمواعيد لا يد لك فيها ولا تستطيع تأجيلها إلى حين؟! هل شعرت ساعتها بالحيرة الشديدة من أين تبدأ، وأية مهمة تسعى لإنجازها قبل سواها حتى يتهيأ لك التفرغ للثانية والثالثة، وهلا لاحظت أنك لن تجد الحل بيسرٍ وسهولة، وداهمك الشعور بأن جبلاً ثقيلاً من الأعباء يكبس على أنفاسك، وأن الحرج من الذين وعدتهم بانجاز ما عليك من مهام يبلغ مداه، وكلما هاتفك أحدهم سائلاً بحثت له عن عذر. والتأخير عن إنجاز عمل مطلوب وإن كان تقصيراً، فليس هو التقصير بعينه، أظن أن التقصير أشمل وأوسع وأبعد مدى، لكن أن » ينزنق « أحدنا لأنه أخر عمل اليوم إلى الغد فذلك أبسط شأناً وأهون أثراً، خاصةً حين تحار ما هو عمل اليوم بالضبط وما هو عمل الغد، وحين يتداخل عمل الأمس واليوم والغد في دائرة واحدة لا تدري أيا منهما أسبق وأيا منهما هو التالي وما بعد التالي. لكن لكي لا نتوه في متاهة من التنظير والوعظ في الأخلاق الحميدة دعونا في موضوع المهام المتراكمة التي نحاصر بواجب انجازها في وقت ضيق، فلا نملك إلى ذلك سبيلا. حينها تجد أحدنا يفعل أي شيء لكنه لا يقترب أبداً من المهام الماثلة أمامه ومطلوب منه إنجازها. إنها سيكولوجيا الهرب من عقدة المهام، فترى الواحد الذي يكره الرياضة والمشي يلتمس لنفسه عذراً في أن يذهب للمشي، كأنه واحد من كبار المشاءين الذين عرفتهم أروقة المذاهب الفلسفية في اليونان القديمة، وذاك الذي بينه وبين التلفزيون ثأر فلا يخطر في باله أبداً الاقتراب من شاشته، يصبح في طرفة عين مدمن مشاهدة للشاشة الفضية.. وقس على ذلك من المهام الوهمية التي نخترعها لأنفسنا كي لا نواجه بما هو مطلوب منا. ساعتها نبدو بحق وحقيق كأم العروس فاضية ومشغولة. والحكمة الشعبية التي صاغت هذا القول إنما كانت تنطلق من التجربة الحية التي لا تحتمل الخطأ. حين نجد أم العروس، يوم عرس ابنتها، وهي تذرع المكان جيئة وذهاباً وتحدث جلبة وضجيجاً لكنها لا تفعل أي شيء. كل مهام العرس يقوم بها مساعدون ومساعدات، لكن من يظهر في الواجهة هي أم العروس التي لكثافة حضورها في ذلك اليوم قادرة على خلق انطباع بأنها الوحيدة المشغولة، أو أن كل المهام واقعة على عاتقها. يشفع لأم العروس أنها بالفعل أم العروس، أم الفتاة التي نحن بصدد حفل زواجها، لكن التعبير الذي ذهب مثلاً لا يعني أم العروس ذاتها، إنما يعني ذلك النفر من الناس الذين يحدثون الجلبة الكبيرة، الضوضاء فتظن أنهم في طليعة العاملين، لكنهم في الواقع لا يعملون شيئا.
صحيفة الايام
20 ديسمبر 2008