المنشور

أم العروس

هل حدث أن تراكمت أمامك عقدة من المهام والواجبات عليك فكها وإنجازها في‮ ‬فترة زمنية قصيرة أو محدودة،‮ ‬خاصةً‮ ‬إذا كانت هذه المهام‮ ‬غير قابلة للتأجيل ومرتبطة بمواعيد لا‮ ‬يد لك فيها ولا تستطيع تأجيلها إلى حين؟‮!‬ هل شعرت ساعتها بالحيرة الشديدة من أين تبدأ،‮ ‬وأية مهمة تسعى لإنجازها قبل سواها حتى‮ ‬يتهيأ لك التفرغ‮ ‬للثانية والثالثة،‮ ‬وهلا لاحظت أنك لن تجد الحل بيسرٍ‮ ‬وسهولة،‮ ‬وداهمك الشعور بأن جبلاً‮ ‬ثقيلاً‮ ‬من الأعباء‮ ‬يكبس على أنفاسك،‮ ‬وأن الحرج من الذين وعدتهم بانجاز ما عليك من مهام‮ ‬يبلغ‮ ‬مداه،‮ ‬وكلما هاتفك أحدهم سائلاً‮ ‬بحثت له عن عذر‮.  ‬ والتأخير عن إنجاز عمل مطلوب وإن كان تقصيراً،‮ ‬فليس هو التقصير بعينه،‮ ‬أظن أن التقصير أشمل وأوسع وأبعد مدى،‮ ‬لكن أن‮ » ‬ينزنق‮ « ‬أحدنا لأنه أخر عمل اليوم إلى الغد فذلك أبسط شأناً‮ ‬وأهون أثراً،‮ ‬خاصةً‮ ‬حين تحار ما هو عمل اليوم بالضبط وما هو عمل الغد،‮ ‬وحين‮ ‬يتداخل عمل الأمس واليوم والغد في‮ ‬دائرة واحدة لا تدري‮ ‬أيا منهما أسبق وأيا منهما هو التالي‮ ‬وما بعد التالي‮.‬ لكن لكي‮ ‬لا نتوه في‮ ‬متاهة من التنظير والوعظ في‮ ‬الأخلاق الحميدة دعونا في‮ ‬موضوع المهام المتراكمة التي‮ ‬نحاصر بواجب انجازها في‮ ‬وقت ضيق،‮ ‬فلا نملك إلى ذلك سبيلا‮.  ‬حينها تجد أحدنا‮ ‬يفعل أي‮ ‬شيء لكنه لا‮ ‬يقترب أبداً‮ ‬من المهام الماثلة أمامه ومطلوب منه إنجازها‮.  ‬ ‮ ‬إنها سيكولوجيا الهرب من عقدة المهام،‮ ‬فترى الواحد الذي‮ ‬يكره الرياضة والمشي‮ ‬يلتمس لنفسه عذراً‮ ‬في‮ ‬أن‮ ‬يذهب للمشي،‮ ‬كأنه واحد من كبار المشاءين الذين عرفتهم أروقة المذاهب الفلسفية في‮ ‬اليونان القديمة،‮ ‬وذاك الذي‮ ‬بينه وبين التلفزيون ثأر فلا‮ ‬يخطر في‮ ‬باله أبداً‮ ‬الاقتراب من شاشته،‮ ‬يصبح في‮ ‬طرفة عين مدمن مشاهدة للشاشة الفضية‮.. ‬وقس على ذلك من المهام الوهمية التي‮ ‬نخترعها لأنفسنا كي‮ ‬لا نواجه بما هو مطلوب منا‮. ‬ ساعتها نبدو بحق وحقيق كأم العروس فاضية ومشغولة‮. ‬والحكمة الشعبية التي‮ ‬صاغت هذا القول إنما كانت تنطلق من التجربة الحية التي‮ ‬لا تحتمل الخطأ‮.  ‬حين نجد أم العروس،‮ ‬يوم عرس ابنتها،‮ ‬وهي‮ ‬تذرع المكان جيئة وذهاباً‮ ‬وتحدث جلبة وضجيجاً‮ ‬لكنها لا تفعل أي‮ ‬شيء‮.  ‬ كل مهام العرس‮ ‬يقوم بها مساعدون ومساعدات،‮ ‬لكن من‮ ‬يظهر في‮ ‬الواجهة هي‮ ‬أم العروس التي‮ ‬لكثافة حضورها في‮ ‬ذلك اليوم قادرة على خلق انطباع بأنها الوحيدة المشغولة،‮ ‬أو أن كل المهام واقعة على عاتقها‮.‬ يشفع لأم العروس أنها بالفعل أم العروس،‮ ‬أم الفتاة التي‮ ‬نحن بصدد حفل زواجها،‮ ‬لكن التعبير الذي‮ ‬ذهب مثلاً‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬أم العروس ذاتها،‮ ‬إنما‮ ‬يعني‮ ‬ذلك النفر من الناس الذين‮ ‬يحدثون الجلبة الكبيرة،‮ ‬الضوضاء فتظن أنهم في‮ ‬طليعة العاملين،‮ ‬لكنهم في‮ ‬الواقع لا‮ ‬يعملون شيئا‮.‬
 
صحيفة الايام
20 ديسمبر 2008