ان من بين الملفات الاخرى التي سترفع للقمة، بحسب تصريحات عبدالرحمن العطية الامين العام للمجلس، ملفات مثل ملف الاتحاد النقدي المنتظر اقراره ليكون نافذا بحلول العام ٠١٠٢، ومشروع مجلس النقد الخليجي وملف معالجة التركيبة السكانية وتنظيم سوق العمل الخليجي، وهي كما نلاحظ ملفات مهمة واساسية لكنها بكل تأكيد استهلكت كثيرا، جراء ما تم بشأنها من حديث متصل دون ان نرى فيها افقا يمكننا ان نستبشر من خلاله حلولا قريبة، والملاحظ في كل ما ذكره العطية حتى لحظة كتابة هذا المقال انه لا يوجد اي حديث عن السوق الخليجية المشتركة المنتظرة!
مرة اخرى نقول ان قمة التعاون ستعقد هذه المرة والعالم بالفعل يمور بتحولات متسارعة لم تقتصر كما كانت منذ بدء انطلاقتها على الجانب المالي فحسب، بل هي قد وصلت الى الحديث عن هوية الاقتصاد العالمي الذي نعرف جميعا موقعنا فيه، على الرغم من اننا نعيش فوق ثلث المخزون العالمي لاهم سلعتين اساسيتين فيه، الا وهما النفط والغاز، وقد اصبحت تلك الازمة الاقتصادية العالمية تضرب في كل اتجاه من دون رحمة او انتظار لاحد وسط ذهول وارتباك كل القيادات الاقتصادية في جميع انحاء العالم، إلا ان السمة الغالبة بالنسبة لسياساتنا الرسمية الخليجية، انه ليس هناك من خارطة طريق سالكة المعالم يمكننا الاهتداء بها، ولا وضوح او شفافية في التوجهات المختلفة، وان كل شيء على ما يرام وان اقتصاداتنا الخليجية في منأى الى حد كبير عن المخاطر التي ترعب الآخرين، متناسين ان النفط وهو سلعتنا الاقتصادية الاساسية الناضبة وعصب حياتنا الرئيس والتي تمثل ما يزيد على ٠٨٪ من ايرادات موازناتنا العامة، قد فقدت حتى الآن اكثر من ٠٦٪ من قيمتها خلال فترة لا تتعدى الشهر وهي مرشحة كذلك للتدهور لتصل ربما الى اقل من ٠٥ دولارا للبرميل حسب توقعات افضل المتفائلين. وبالرغم من ذلك يحزننا ان نقول اننا لم نقرأ جيدا بعد المشهد المرعب القادم وتداعياته القادمة، كما تفعل بقية دول العالم التي فرغت طواقمها وحكوماتها للعمل على ايجاد حلول ومخارج سريعة موضوعية تجنب شعوبها المزيد من الخسائر والانتكاسات، بالضبط كما تفعل اوروبا مجتمعة ومعها امريكا، وكما تفعل كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وبقية دول امريكا اللاتينية، حيث مازالت دول مجلس التعاون الخليجي تكتفي بتشكيل اللجان الوزارية المصغرة للتعاطي مع الازمة، دون ان نسمع حتى بمجرد ادراجها على جدول اعمال القمة القادمة كبند اساسي، يجب اعطاؤه ما يستحق من دراسة ومداولات وقرارات فاعلة.
والصحيح من وجهة نظرنا المتواضعة هو ان تكون الازمة الاقتصادية العالمية هي العنوان الابرز لقمة التعاون، خاصة اذا علمنا ان مجموعة دول العشرين التي اجتمعت في واشنطن في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، كانت قد تدارست بعمق هوية النظام الاقتصادي العالمي المنتظرة، ليس فقط لوضع حلول مؤقتة للتعاطي مع تداعيات الازمة القائمة، على ان تستكمل رؤى مختلف اعضائها بحلول ابريل من العام القادم. حيث تجمع حتى اكبر الدول تمسكا بنظام السوق، على الحاجة لاعادة النظر في الكثير من تلك السياسات المتبعة التي ظلت على الدوام محل اطراء وترويج خلال العقود الاخيرة، حتى تيقنت بفشل وعجز النظام الاقتصادي القادم ذاته، والحاجة لتدخل الدولة واعادة النظر فيما تم العمل به حتى الآن من سياسات ومفاهيم، وهي ذات السياسات التي راهنت عليها الكثير من دولنا ونخبنا الاقتصادية حتى وقت قريب جدا، حيث فضلت اراحة عقلها واخلاء مسؤولياتها وعاشتها قدرا محتوما لا مفر منه، رغم انها كانت تعيش تازماته المتلاحقة يوما بعد آخر، لتستفيق على وقع انهياراته وبوادر سقوطه المدوي، والذي ابتدأت تداعياته على شكل كساد اقتصادي بدأ يعم العالم، وانهيارات كبرى لمؤسسات مالية وبنوك ومصارف وشركات تأمين عملاقة وضمور منتظر في قطاعات مالية وعقارية وانهيارات متوالية لقطاعات صناعية كبرى كتلك التي تضرب اكبر صانعي السيارات في العالم، وازمات عقارية بدأت بوادرها المخيفة في الظهور باشكال مختلفة، حتى اغلقت بسببها الكثير من اسواق المال الرئيسية والبورصات المختلفة تحسبا لما هو اسوأ، دون انتظار لما ستطرحه القيادات الساسية والاقتتصادية في امريكا والغرب تحديدا من حلول يتم العمل عليها حاليا.
وسط كل ما يجري من تحولات كبرى عالميا، لابد لقادة دول المجلس الا يسمحوا بان تكون قمة مسقط القادمة تقليدية في قراراتها ومداولاتها ونتائجها ايضا، بل عليهم ان يجعلوا منها نقطة تحول كبرى فارقة وايجابية بالطبع في مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بالسعي حثيثا لتفعيل التعاون الحقيقي فيما بين دولهم من دون تردد او انتظار، وعدم القبول بترك مصير دولنا وشعوبنا تحت رحمة البيروقراطيات الرسمية ودوائرها، بكل ما يعتريها من عيوب ومصاعب وتعقيدات، والاستفادة من تلك التجارب العالمية القريبة او البعيدة عنا في كيفية ادارة مواردنا الناضبة والتخطيط لمستقبل المنطقة على مختلف الاصعدة، والارتقاء باقتصاداتنا واعادة النظر في طبيعة تحالفاتنا الاقتصادية والسياسية القادمة، والتفكير بعمق في نوعية التحولات وحجمها، وماهية اللاعبين الرئيسيين القادمين اليها، والبحث عن مصالحنا المشتركة كشعوب ودول يربطها المصير الواحد والهوية الجامعة وسط زحمة ما يجري من تحولات جارفة لن يكون فيها بالتأكيد موطئ قدم إلا لمن يمتلكون ارادة الحياة وعزيمة النهوض والتقدم والقدرة على التأثير في قرارات العالم المصيرية خلال العقدين القادمين على اقل تقدير من خلال ما سيتشكل من تجمعات سياسية واقتصادية اقليمية وعالمية كبرى هي طور التشكل على انقاض مخلفات النظام العالمي الحالي الذي هو نتاج حربين عالميتين مدمرتين وحرب باردة ولوا جميعا الى غير رجعة.
صحيفة الايام
14 ديسمبر 2008