المنشور

قمم التعاون الخليجية‮.. ‬السهل الممتنع‮!! (٢ – ٢)‬

ان من بين الملفات الاخرى التي‮ ‬سترفع للقمة،‮ ‬بحسب تصريحات عبدالرحمن العطية الامين العام للمجلس،‮ ‬ملفات مثل ملف الاتحاد النقدي‮ ‬المنتظر اقراره ليكون نافذا بحلول العام ‮٠١٠٢‬،‮ ‬ومشروع مجلس النقد الخليجي‮ ‬وملف معالجة التركيبة السكانية وتنظيم سوق العمل الخليجي،‮ ‬وهي‮ ‬كما نلاحظ ملفات مهمة واساسية لكنها بكل تأكيد استهلكت كثيرا،‮ ‬جراء ما تم بشأنها من حديث متصل دون ان نرى فيها افقا‮ ‬يمكننا ان نستبشر من خلاله حلولا قريبة،‮ ‬والملاحظ في‮ ‬كل ما ذكره العطية حتى لحظة كتابة هذا المقال انه لا‮ ‬يوجد اي‮ ‬حديث عن السوق الخليجية المشتركة المنتظرة‮!‬
مرة اخرى نقول ان قمة التعاون ستعقد هذه المرة والعالم بالفعل‮ ‬يمور بتحولات متسارعة لم تقتصر كما كانت منذ بدء انطلاقتها على الجانب المالي‮ ‬فحسب،‮ ‬بل هي‮ ‬قد وصلت الى الحديث عن هوية الاقتصاد العالمي‮ ‬الذي‮ ‬نعرف جميعا موقعنا فيه،‮ ‬على الرغم من اننا نعيش فوق ثلث المخزون العالمي‮ ‬لاهم سلعتين اساسيتين فيه،‮ ‬الا وهما النفط والغاز،‮ ‬وقد اصبحت تلك الازمة الاقتصادية العالمية تضرب في‮ ‬كل اتجاه من دون رحمة او انتظار لاحد وسط ذهول وارتباك كل القيادات الاقتصادية في‮ ‬جميع انحاء العالم،‮ ‬إلا ان السمة الغالبة بالنسبة لسياساتنا الرسمية الخليجية،‮ ‬انه ليس هناك من خارطة طريق سالكة المعالم‮ ‬يمكننا الاهتداء بها،‮ ‬ولا وضوح او شفافية في‮ ‬التوجهات المختلفة،‮ ‬وان كل شيء على ما‮ ‬يرام وان اقتصاداتنا الخليجية في‮ ‬منأى الى حد كبير عن المخاطر التي‮ ‬ترعب الآخرين،‮ ‬متناسين ان النفط وهو سلعتنا الاقتصادية الاساسية الناضبة وعصب حياتنا الرئيس والتي‮ ‬تمثل ما‮ ‬يزيد على ‮٠٨‬٪‮ ‬من ايرادات موازناتنا العامة،‮ ‬قد فقدت حتى الآن اكثر من ‮٠٦‬٪‮ ‬من قيمتها خلال فترة لا تتعدى الشهر وهي‮ ‬مرشحة كذلك للتدهور لتصل ربما الى اقل من ‮٠٥ ‬دولارا للبرميل حسب توقعات افضل المتفائلين‮. ‬وبالرغم من ذلك‮ ‬يحزننا ان نقول اننا لم نقرأ جيدا بعد المشهد المرعب القادم وتداعياته القادمة،‮ ‬كما تفعل بقية دول العالم التي‮ ‬فرغت طواقمها وحكوماتها للعمل على ايجاد حلول ومخارج سريعة موضوعية تجنب شعوبها المزيد من الخسائر والانتكاسات،‮ ‬بالضبط كما تفعل اوروبا مجتمعة ومعها امريكا،‮ ‬وكما تفعل كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وبقية دول امريكا اللاتينية،‮ ‬حيث مازالت دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬تكتفي‮ ‬بتشكيل اللجان الوزارية المصغرة للتعاطي‮ ‬مع الازمة،‮ ‬دون ان نسمع حتى بمجرد ادراجها على جدول اعمال القمة القادمة كبند اساسي،‮ ‬يجب اعطاؤه ما‮ ‬يستحق من دراسة ومداولات وقرارات فاعلة‮. ‬
والصحيح من وجهة نظرنا المتواضعة هو ان تكون الازمة الاقتصادية العالمية هي‮ ‬العنوان الابرز لقمة التعاون،‮ ‬خاصة اذا علمنا ان مجموعة دول العشرين التي‮ ‬اجتمعت في‮ ‬واشنطن في‮ ‬الخامس عشر من نوفمبر الماضي،‮ ‬كانت قد تدارست بعمق هوية النظام الاقتصادي‮ ‬العالمي‮ ‬المنتظرة،‮ ‬ليس فقط لوضع حلول مؤقتة للتعاطي‮ ‬مع تداعيات الازمة القائمة،‮ ‬على ان تستكمل رؤى مختلف اعضائها بحلول ابريل من العام القادم‮. ‬حيث تجمع حتى اكبر الدول تمسكا بنظام السوق،‮ ‬على الحاجة لاعادة النظر في‮ ‬الكثير من تلك السياسات المتبعة التي‮ ‬ظلت على الدوام محل اطراء وترويج خلال العقود الاخيرة،‮ ‬حتى تيقنت بفشل وعجز النظام الاقتصادي‮ ‬القادم ذاته،‮ ‬والحاجة لتدخل الدولة واعادة النظر فيما تم العمل به حتى الآن من سياسات ومفاهيم،‮ ‬وهي‮ ‬ذات السياسات التي‮ ‬راهنت عليها الكثير من دولنا ونخبنا الاقتصادية حتى وقت قريب جدا،‮ ‬حيث فضلت اراحة عقلها واخلاء مسؤولياتها وعاشتها قدرا محتوما لا مفر منه،‮ ‬رغم انها كانت تعيش تازماته المتلاحقة‮ ‬يوما بعد آخر،‮ ‬لتستفيق على وقع انهياراته وبوادر سقوطه المدوي،‮ ‬والذي‮ ‬ابتدأت تداعياته على شكل كساد اقتصادي‮ ‬بدأ‮ ‬يعم العالم،‮ ‬وانهيارات كبرى لمؤسسات مالية وبنوك ومصارف وشركات تأمين عملاقة وضمور منتظر في‮ ‬قطاعات مالية وعقارية وانهيارات متوالية لقطاعات صناعية كبرى كتلك التي‮ ‬تضرب اكبر صانعي‮ ‬السيارات في‮ ‬العالم،‮ ‬وازمات عقارية بدأت بوادرها المخيفة في‮ ‬الظهور باشكال مختلفة،‮ ‬حتى اغلقت بسببها الكثير من اسواق المال الرئيسية والبورصات المختلفة تحسبا لما هو اسوأ،‮ ‬دون انتظار لما ستطرحه القيادات الساسية والاقتتصادية في‮ ‬امريكا والغرب تحديدا من حلول‮ ‬يتم العمل عليها حاليا‮.‬
وسط كل ما‮ ‬يجري‮ ‬من تحولات كبرى عالميا،‮ ‬لابد لقادة دول المجلس الا‮ ‬يسمحوا بان تكون قمة مسقط القادمة تقليدية في‮ ‬قراراتها ومداولاتها ونتائجها ايضا،‮ ‬بل عليهم ان‮ ‬يجعلوا منها نقطة تحول كبرى فارقة وايجابية بالطبع في‮ ‬مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬وذلك بالسعي‮ ‬حثيثا لتفعيل التعاون الحقيقي‮ ‬فيما بين دولهم من دون تردد او انتظار،‮ ‬وعدم القبول بترك مصير دولنا وشعوبنا تحت رحمة البيروقراطيات الرسمية ودوائرها،‮ ‬بكل ما‮ ‬يعتريها من عيوب ومصاعب وتعقيدات،‮ ‬والاستفادة من تلك التجارب العالمية القريبة او البعيدة عنا في‮ ‬كيفية ادارة مواردنا الناضبة والتخطيط لمستقبل المنطقة على مختلف الاصعدة،‮ ‬والارتقاء باقتصاداتنا واعادة النظر في‮ ‬طبيعة تحالفاتنا الاقتصادية والسياسية القادمة،‮ ‬والتفكير بعمق في‮ ‬نوعية التحولات وحجمها،‮ ‬وماهية اللاعبين الرئيسيين القادمين اليها،‮ ‬والبحث عن مصالحنا المشتركة كشعوب ودول‮ ‬يربطها المصير الواحد والهوية الجامعة وسط زحمة ما‮ ‬يجري‮ ‬من تحولات جارفة لن‮ ‬يكون فيها بالتأكيد موطئ قدم إلا لمن‮ ‬يمتلكون ارادة الحياة وعزيمة النهوض والتقدم والقدرة على التأثير في‮ ‬قرارات العالم المصيرية خلال العقدين القادمين على اقل تقدير من خلال ما سيتشكل من تجمعات سياسية واقتصادية اقليمية وعالمية كبرى هي‮ ‬طور التشكل على انقاض مخلفات النظام العالمي‮ ‬الحالي‮ ‬الذي‮ ‬هو نتاج حربين عالميتين مدمرتين وحرب باردة ولوا جميعا الى‮ ‬غير رجعة‮.‬

صحيفة الايام
14 ديسمبر 2008