المنشور

شعارات براقة‮..!‬


لا يدهشنا أبدا أن تمر علينا مرور الكرام  أكثر من مناسبة دولية كان يفترض أن نشارك دول العالم الاحتفاء بها، لا يدهشنا ذلك على الرغم من أننا قد تعودنا أن نحتفي بمناسبات كثيرة ونقيم لها مهرجانات واحتفالات هنا وهناك، وننفق ببذخ على بعضها، ويمكن الرجوع إلى تقرير ديوان الرقابة المالية للوقوف على هذه الحقيقة…!
تعودنا في حالات أخرى أن نتبنى أشكالا  مختلفة من المشاركات بالمناسبات الدولية كأن نقيم محاضرات أو ندوات، أو ننظم حلقات أو لقاءات تليفزيونية تخص هذه المناسبة أو تلك، وفي أدنى الأحوال تصدر عن الأطراف والجهات ذات العلاقة الرسمية والأهلية تصريحات وبيانات تستعرض فيها انجازاتها وتشيد بأدائها في هذا الميدان أو ذاك، من زاوية أن كل مناسبة فرصة للترتيب لـ”زفة  إعلامية” للظهور وللتغني بالانجازات، وليس لإذكاء الوعي بموضوع المناسبة.
لا يدهشنا ذلك لأننا تعودنا أن نختار ما يحلوا لنا من مناسبات دولية نحتفي بها ونحرص على أن نقول للعالم بأننا نشاركهم هذه الاحتفالية وأننا حاضرون في كل مناسبة، في الوقت الذي نلغي من دائرة حساباتنا واهتماماتنا ما لا يحلوا لنا، ففي شهر ديسمبر الجاري وتحديداً في التاسع منه مرت علينا مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد وكأنها محجوبة في طي النسيان، ولولا ذلك البيان الذي أصدرته جمعية الشفافية الذي وجه الأنظار إلى هذه المناسبة، لما تنبه أحد إلى هذه المناسبة التي كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرتها في سبيل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد من منطلق أنه يعرقل عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويهدد المجتمعات وأمنها ويقوض قيم الديمقراطية للخطر، وعلاوة على ذلك تستهدف الأمم المتحدة من هذه المناسبة إلى حث كافة دول العالم للانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي الاتفاقية التي وقع عليها مندوب مملكة البحرين لدى الأمم المتحدة في ٨ فبراير 2008 والتي من المؤسف أننا لازلنا نشهد تلكؤاً في المصادقة عليها حتى الآن.
ليست تلك المناسبة وحدها التي مرت علينا مرور الكرام، وإذا كان هناك من ذكّر بها بأي شكل من الأشكال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، فإن اليوم العالمي للقضاء على العبودية الذي صادف الثاني من ديسمبر لم يذكره أحد لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كان هناك من يرى بأننا لسنا معنيين بهذه المناسبة على وجه الخصوص لأنه لا يجد بأن لدينا رق ولا عبودية في يوم من الأيام فهو مخطئ ، لأن هناك مظاهر عبودية حديثة جراء الفقر والحاجة والعوز والعزلة والتهميش والفساد والتمييز وانتهاك حقوق الإنسان والتقصير في تطبيق القانون وعدم تفعيل حاكميته، ومعاملة فئات من الناس من مواطنين أو عمالة أجنبية معاملة العبيد، بمعنى أن العبودية ليست من الماضي فقط، إنها واقع اليوم أيضاً، حتى على صعيد ممارسات الدول الكبرى حينما تتسلط ضد الدول الصغرى المقهورة والمغلوبة على أمرها تحت أي مظلة أو عنوان أو شعار، وكذلك على صعيد الممارسات الإسرائيلية التي تمارس الاحتلال والعقاب الجماعي والتهجير وسلب أراضي وثروات الفلسطينيين.
ليست تلك المناسبتان هما وحدهما اللتان شهدهما شهر ديسمبر الجاري، فهناك مناسبة ثالثة هي اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من هذا الشهر، وهو التاريخ الذي تمّ فيه تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 ويحتفل به المجتمع الدولي والمجتمعات المدنية في العالم.  وكان واضحا  أيضاً أن هذه المناسبة هي الأخرى كان الاهتمام بها معطلاً حتى في أدنى مستويات الاهتمام، وهو موقف باعث على الاستغراب خاصة وأننا نعلم أن هناك كثير من الأفراد والهيئات التي تعلن نفسها بأنها معنية بحقوق الإنسان والدفاع عن حريته،  ولعل هذا يؤشر بأننا لا زلنا في حاجة لأن نضع قضية حقوق الإنسان داخل الإطار المؤسسي الأشمل بحث تكون وظيفة الحكومة والمجتمع بكل هيئاته ومؤسساته وقواه السياسية إرساء مبادئ حقوق الإنسان وحمايتها فعلاً لا قولاً، وحتى لا يكون ذلك مجرد واجهة إعلامية براقة تخفي وراءها انتهاكات أو السكوت على انتهاكات.
وبما أننا بدأنا باليوم العالمي لمكافحة الفساد فإليه نعود، فبيان جمعية الشفافية بمناسبة هذا اليوم هو أيضاً يشدد على وجود عدم الاكتفاء بالشعارات والعناوين البراقة في قضية مكافحة الفساد، وهي دعوة في محلها تماماً كتلك الدعوة بتبني استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يشارك في إعدادها وفي تنفيذها كل مكونات الدولة من سلطات تنفيذية، وتشريعية، وقضائية ، وسلطة الصحافة والإعلام، وسلطة المجتمع المدني، دون أن نغفل أهمية الدعوة إلى التسريع بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وبناء منظومة متكاملة من التشريعات والآليات والإصلاحات التي تفعّل دور كل الأطراف في مناهضة الفساد سواء على صعيد المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وإقرار قانون الكشف عن الذمة المالية، وإنشاء الهيئة الوطنية المقترحة المستقلة لمكافحة الفساد، وتفعيل دور المراقبة والمحاسبة، والأهم قبل وبعد ذلك أن يؤكد الجميع بأنهم جادون في مواجهة الفساد.
 
آمل أن ندرك أن الحاجة قد أصبحت ملحة في أن أي إنجاز على ذلك الصعد يستلزم أكثر من شعارات براقة وتعهدات شكلية.
 
الأيام 12 ديسمبر 2008