إن لموزاين القوى معانّ كثيرة متعددة في قاموس علم الاقتصاد السياسي بحسب عناصر المواضيع المطروحة أمام الفرقاء …. الخ.
إن موازين القوى في مجتمع ما ، هي تلك التي تشكل ثقلاً وواقعاً موضوعياً- غير متخيل في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، و عادة ما تصنف و تفرز فرزا مجازيا إلى القوة السياسية (السلطة السياسية) والقوة الاقتصادية والقوة الاجتماعية – وكثيراً ما يشار إلى القوة أو القوى الاجتماعية على أنها ثالثة ألأثافي، و العـمد الأساسي في المجتمع وذلك لدور (الشعب) الرائد وليده الطولى في صنع الأحداث وقيادتها ودفعها في مجرياتها وتحديد نتائجها.
بيد أن طبيعة هذه القوى الثلاث وإمكانيتها المادية و العملية متداخلة متشابكة يكمل ويتمم كل منها الآخر، بخلاف ما تروّجه وتسوّقه إيديولوجيا وعقائدياً القوة المسيطرة التي تزعم و تدعي أن وجودها على الأرض مستمد من السماء ، وما على (البشر) إلا الطاعة والولاء والإذعان، ومن يعصي هذا الإيمان المقدس فهو خائن وكافر ومصيره النار وبئس القرار …. الخ.
أما في وقتنا الحاضر وبعد أن ( وعت ) المجتمعات وقطعت البشرية شوطاً طويلاً في التقدم والتحضر و الرقي ونفضت عن كاهلها غبار العبودية والتخلف، فقد تغير الحال وأصبح القول خلاف ما كان يقال حيث أصبح الشعب هو مصدر السلطات جميعاً، وله كافة الخيارات و…. وكرست هذه المقولات في جميع دساتير العالم وقوانينه وتشريعاته و ذلك بعد صراعات دامية جسيمة وثورات اجتماعية عظيمة !!! وبالتالي ، أصبح الشعب هو الذي يحدد مسار الأحداث في كل عهد من العهود وهو الذي يرجح كفه موازين قوى على كفة أخرى في المجتمع، ولا حاجه بنا لشرح وتفصيل هذه الحقيقة والتأكيد عليها أ و البرهان على أن القوى البشرية في المجتمعات هي محور الجود الإنساني على الأرض ، وقانون الترابط الضروري (بين العمل والعاملين في المجتمع ) يؤكد ويبيّن العلاقة الوثيقة التي لا تنفصم بين هذا المحور والمحورين الآخرين (السلطة السياسية والقوة الاقتصادية) وبان هذه العلاقة لا تندثر ولا تزول إلا بزوال البشرية، وإنما تتغير وتتبدل من عهد إلى عهد أي من النظام العبودي إلى النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي، وهكذا دواليك ودائماً إلى الأفضل و أكثر عدالة من سابقه.
إلا أن السلطة السياسية بترابطها الطبقي، واستحواذها في أغلب الأحيان على القوة المادية و الاقتصادية في المجتمعات، دائماً ما تجعل موازين القوى تميل وتعمل لخدمة مصالحها رضيت باقي القوى ام أبت ، وما كان ذلك ليحصل لولا علل في العباد (في القوى المجتمعية) وعيبا مفتعلا في وعي القوى الاجتماعية يلازمها منذ القدم، بيد أن هذه العلل الدائمة و العيوب الكامنة كانت ولا زالت مختلقة، ومكرسة إيديولوجيا وعقائديا ومالياً، ومسخرة لصالحها ( لصالح مصالح السلطة السياسية المسيطرة ) قوى الجيش والأمن والاستخبارات ، وجمع غفير من المثقفين والأدباء والكتاب في جميع مسائل الإعلام وأجهزة الثقافة والتربية والتعليم، إلى جانب جهود رجال الدين، كما كان وضع بيت المال في فجر الإسلام، الشيء الذي مكّن السلطة السياسية من إعادة استخدام المال العام للرشاوى والهبات والمكرمات وغيرها ضد مصالح القوى الاجتماعية الواسعة صاحبة السلطات جميعا.
إن تاريخ البشرية على امتداد حقب طويلة من المعاناة والمآسي لم يسجل قط أن تلك القوى المسيطرة قد تنازلت من تلقاء نفسها وعن طيب خاطر واعترفت بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية لقطاعات واسعة من جموع الشعب ، وما ذلك إلا لاختلال موازين القوى في المجتمع ، فكيف يمكن للقوى الاجتماعية أي لغالبية الشعب العامل أن تعمل من اجل تغيير موازين القوى بحيث تميل لصالحها كي تستطيع انتزاع حقوقها ؟ و هل في إمكانها ذلك ؟!!
يبدو أن هذا المطلب بعيد المنال ما دامت السلطة تحتكر المال العام وتسخره لمآربها!!! خصوصاً وان عصر الثورات الاجتماعية العظمى قد أفل، و عهد الانقلابات العسكرية قد ولى إلى غير رجعة ، وكذلك لم يعد لشعار الكفاح المسلح و لا للأعمال الإرهابية لا من جدوى و لا من نصير لا في الداخل و لا في الخارج ، كما أن الحكومات أصبحت تعرف كيف تستفيد من أعمال الشغب و الفوضى، و هذا الشيء لم يعد خافيا على احد ، و متذرعة بتلك الأعمال دأبت على توجيه ضربات قاسية لجميع قوى المجتمع السياسية، كل ذلك حصل ويحصل بسبب عدم تقدير و تقييم سليم لموازين القوى في المجتمع من قبل الفكر الطفولي المتطرف (الإسلامي و اليساري)، الشيء الذي نتج و ينتج عنه إهدار نضالات و طاقات بشرية رائعة، كان في إمكانها خلق تضامن و إجماع شعبي رائع لا تستطيع القوى الأخرى الوقوف أمامه.
ان الطريق شائك و وعر إلا أن العمل كان و لا يزال و سيبقى ممكنا في خلق تضامن و إجماع شعبي و توحيد صفوف الجماهير الواسعة ، ومنع القوى المناوئة لها من ان تزج بها في خلافات و معارك جانبية لامتصاص نقمتها و حرف نضالاتها، و قد انتشر الوعي بينهم نسبيا ، و اخذوا بوعي او بدون وعي ينتظمون في المنظمات و المؤسسات السياسية ، ولم تعد تستطيع قوى التخلف حرف و تخريب نشاطاتهم السلمية اليومية، فهل تعي و تدرك المؤسسات السياسية ومنظمات المجتمع المدني كيف ترسم طريقها السلمي العلني كي تنتزع حقوقها و ترتقي بمجتمعها…!!!؟
الأيام 12 ديسمبر 2008