اليوم عيد الأضحى المبارك. كل عام وأنتم بخير. وبعد يومين سيحل عيد آخر، حيث سنحتفل مع سكان المعمورة جميعا بالذكرى الستين لإقرار هيئة الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذه هي الوثيقة الدولية الأولى التي وضعت أساس نظام حماية حقوق الإنسان. ومنذ العام 1958 جرت العادة أن يحتفل كل عشر سنوات بيوبيل هذا الحدث العظيم لشد الاهتمام لمسائل حقوق الإنسان والمستويات العصرية لاحترامها والدفاع عنها.
بأي حال عدت يا عيد؟ من وحي البيان الذي أصدرته منظمة العفو الدولية في 28 مايو/ أيار من هذا العام استعدادا للاحتفالات بهذه الذكرى استوحت وسائل الإعلام في مختلف بلدان العالم الجواب على هذا السؤال بعنوان: ‘ستون عاما من انتهاكات حقوق الإنسان’. ألم تناشد منظمة العفو الدولية في بيانها قادة بلدان العالم بالاعتذار عن ستين عاما من عدم مراعاة حقوق الإنسان والعودة إلى طريق إحداث تحسينات ملموسة على هذا الصعيد؟ ألم تلق عليهم ‘آيرن كان’، الأمين العام للمنظمة، واجب العمل سريعا على إزالة البون الشاسع بين الوعود والواقع؟
أوضح البيان أنه بعد مرور ستين عاما على إعلان حقوق الإنسان لا يزال الناس يتعرضون للتعذيب والمعاملات الوحشية فيما لا يقل عن 81 بلدا، وللمحاكمات غير العادلة في 54 بلدا على أقل تقدير، وفي 77 بلدا كحد أدنى لا يسمح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم بحرية.
وطبعا معظم البلدان المعنية بهذا الحديث ستحتفل أيضا، إلى جانب بلدان العالم الأخرى بهذه المناسبة مبرزة إنجازاتها في الارتقاء بمستويات حقوق الإنسان لديها. وطبيعي أن هذه المظاهر الاحتفالية لن تحل مشاكل حقوق الإنسان حول العالم وفي كل بلد فيه، بل ستعقدها.
والخوف على مصير حقوق الإنسان يصبح أكبر فأكبر مع استمرار آثار ضربات الأزمة المالية والاقتصادية العالميتين على بلدان العالم الثالث خصوصا. لقد كشفت الأزمة الاقتصادية عن أزمة عامة أعمق طالت الأخلاق والقيم وحتى معايير حقوق الإنسان في البلدان المتقدمة ذاتها. أما البلدان الأقل تطورا فتصبح مهيأة أكثر، وتحت ذريعة مواجهة آثار الأزمة العالمية، لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ومصادرة المكتسبات الاجتماعية التي تحققت على مدى السنوات الماضية وحتى لعودة ظهور أنظمة دكتاتورية في بعضها. ومن طبيعة هذه الأنظمة الأخيرة أن تعزز مظاهر القمع ضد غالبية السكان بدلا من إزالتها لكي تأخذ فرصتها كاملة لحل كافة المشكلات الناتجة عن الأزمة من منظور مصالح الفئات الاجتماعية التي تمثلها. طبيعي أن الناس لن تقبل بمصادرة مكتسباتها، وستقاوم بكل شراسة محاولات استمرار طرحها على حصير الفقر وتكميم الأفواه. وهذا بلا شك سيزيد أوضاع هذه البلدان تعقيدا، وسيجعلها تدخل من جديد مرحلة سنوات من الوقت الضائع كما كان الحال في أوقات سابقة.
هذا السيناريو مرعب حقا. لكن فرص تحققه من عدمها ستعتمد إلى درجة كبيرة على مدى الإرادة السياسية للسلطات، ومن ثم قوى المجتمع، بتأكيد خيار تطورها على الطريق الديمقراطي، وبذل الجهود من أجل تذليل الصعوبات التي اعترضنه بدلا من اعتبار الحل الأسهل هو فض اللعبة الديمقراطية من أصلها. خلال الفترة الماضية أنجزت الدولة ومنظمات حقوق الإنسان في بلادنا الكثير من الأقوال والقليل من الأفعال على صعيد تطور حقوق الإنسان. فلا يزال شعار ‘الحرية من العوز حق إنساني’ الذي أطلقته حملة ‘النداء العالمي لمكافحة الفقر’ في فبراير/ شباط من هذا العام بعيدا عن التحقق بالنسبة لفئات واسعة في مجتمع تمتع بوفرة نسبية من عائدات النفط في السنوات الماضية. ولازالت مسألة المصالحة الوطنية الحقيقية لم تجد طريقا واضح المعالم لإنجازها. وإذا كان المجتمع قد استبشر خيرا منذ بداية الإصلاحات بقبر قانون أمن الدولة السيئ الذكر، فإن أيتامه من قوانين متربصة في الأدراج تثب بين حين وآخر لتذكر بأنها لا تزال تعيش زمن أبيها. وقبيل الاحتفال بالذكرى الستين لإعلان حقوق الإنسان استل من تلك المجموعة قانون ليشهر في وجه مشاركات المواطنين في مؤتمرات دولية. وفي السنوات الأخيرة صدرت سلسلة قوانين جديدة تعزز ترسانة القديمة التي تسد الطريق في وجه التطور الإصلاحي ونحو مزيد من حقوق الإنسان. ولا يزال توزيع الدوائر الانتخابية لم يتحرك خطوة نحو تأكيد حق المواطن بالتمثل انتخابيا بشكل أكثر عدالة. ولا يزال حق المواطن في الانتماء إلى الأحزاب السياسية غير مكتمل، لأن قانونا يقر بوجود الأحزاب السياسية الحقيقية غير موجود بشكله ومحتواه العصريين. ولا يزال حق المواطن في فرص التوظيف والترقي بناء على مؤهلاته وكفاءاته منتقصا نظرا لغياب قانون يؤكد على تكافؤ الفرص ويحرم ويجرم التمييز في مجالات العمل وغير العمل. ولا تزال القائمة لم تنته، غير أن الانتهاء منها كلية هو المطلوب.
وقد يعجب الإنسان أحيانا بدعوات نظرية تطالب المواطن بالموازنة بين الحقوق والواجبات. لكن هذه الفكرة بحاجة إلى مزيد من التطوير. وفي حين لا يمكن إلا إحترام دعوات مقابلة الحريات بالمسؤولية وممارسة الحقوق بمسؤولية ووعي، إلا أن التوازن بين الحقوق والواجبات أمر آخر. فالمواطن أنشأ على معرفة الواجبات منذ نعومة أظافره. بينما الحقوق حديثة العهد. وفي المعادلة بين الحقوق والواجبات فالحقوق هي الطرف الأضعف. وأية دعوة صادقة يجب أن تكون منحازة بلا تردد لصالح مزيد من الحقوق. نعني بذلك الدعوة أعلاه إلى إزالة القوانين المعرقلة للتطور وإحلال قوانين تخدمه. عندها سيتحقق التوازن بين الحقوق والواجبات في منظومة الواقع، وعندها فقط سيمكن الحديث عن تحقيق هذا التوازن في وعي وممارسة المواطن.
الوقت 8 ديسمبر 2008