شهدت مملكة البحرين في الأول من ديسمبر مجموعة فعاليات واحتفالات وكتابات تشهد بدور المرأة البحرينية وبدور المجلس الأعلى للمرأة في ظل رئاسة قرينة الملك سمو الشيخة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة، وبدور الجمعيات والاتحاد النسائي ، والذي برهن على انه شريك قادر في هذه المرحلة التاريخية أن يكون ثنائيا متكاملا (دويتو) مهما للأخذ بناصية الدفاع عن حقوق المرأة ونقلها من مرتبة وواقع وحقوق ومكانة اقل إلى واقع أفضل وارفع وأكثر تقدما في جميع النواحي والمجالات، التي كثيرا ما سعت إلى تحقيقها المرأة البحرينية منذ أن كانت فوق مقاعدها الدراسية في الداخل والخارج، والتي لم تبخل في حركتها النسوية المناضلة، سياسيا واجتماعيا وطلابيا، في التعبير عنها وان كانت في حدود ضيقة ومحصورة لم تستطع التوفيق في أحلامها الكبرى.
غير إن المشروع الإصلاحي للمملكة فتح للمرأة البحرينية أفاقا جديدة لكي تنطلق منها لحدود أوسع نحو حلمها في العدالة والمساواة على كافة الصعد، داخل البيت وخارجه في مجتمع ما يزال يقيد حركتها وحريتها وينتزع منها أهم حقوقها في التعبير والدفاع عن أحوالها الشخصية وغير الشخصية .
ما تم انجازه حتى ألان وفي فترة وجيزة وقياسية من عمر الإصلاح ليس إلا خطوات مهمة نحو خطوات كبرى تنتظرها، لكي تتمكن بأن تصبح شريكا على قدم المساواة في قبة البرلمان وبأصوات كثيرة ، تتناسب وحجم انخراطها في التصويت واختيار نوابها من النساء والرجال ، المعبرين تعبيرا حقيقيا في برامجهم الوطنية والاجتماعية والحقوقية وبأصواتهم الواضحة، عن إن النساء هن الشريك الحقيقي في المجتمع والتنمية والحياة بينها وبين الرجل، ولكن النتائج المعبرة عن حضورها البلدي والنيابي اليتيم، بل وحتى حضورها في الأنشطة المجتمعية والمهنية، والجمعيات السياسية ، إذ تركت المرأة بعض المجالات للرجل، بل ولم تفكر أن تنافسه باقتدار وجرأة، وهو جزء من ثقل تاريخي وارث اجتماعي لا زال يلقي بظلاله على كيانها ووجودها الإنساني . دون شك نحن في مرحلة تاريخية ، من التمكين ـ مهمة تتحرك فيه المرأة في الاتجاه الصحيح وبروح من التفاؤل ، غير إن الإفراط المتناهي لحقيقة واقعنا لا يدعونا للشعور بالانجاز وحده بقدر ما يدعونا للنظر في المعوقات الكبرى أمامها في عملية الإنتاج والعمل والحراك العام، باعتبارها من أهم مكونات وحرية المرأة في المجتمع والتنمية المستدامة، فما تم في مجالات الحقوق النسوية البحتة كالاهتمام بالأيتام والأرامل والمطلقات والحفاظ على كرامتهن ومنحهن حقوق متساوية للجنسية مع الرجل إزاء أطفالها كونها متزوجة من أجنبي مسائل في غاية الأهمية ، وقضايا معاشية مهمة تحسب لحيوية وجهود قرينة الملك والمجلس الأعلى والاتحاد النسائي، غير إن المعركة الكبرى والامتحان العسير القادم هو مدى نجاح المرأة في انجاز مشروعها في الأحوال الشخصية والخروج من عالم الحجر الزوجي الدائم والاستسلام لطاعته المريرة.
ما ينتظر النساء من جولات قادمة أكثر صعوبة هو الأهم، من خلال الفهم المشترك للنساء جميعا في التضامن والوحدة والتماسك دون النظر للشكليات الجانبية، فذلك قد يدفع بهن إلى التشتت والضياع على حساب الحقوق الفعلية للمرأة، والذي لا يمكن انجازه في وجه قوى مجتمعية قادرة على عزل الكثير من النساء عن الحركة النسائية الفاعلة وإخضاعهن لتلك الأفكار الزائفة حول سيادة الرجل عليها تحت مظلة ذرائع كثيرة.
وإذا لم تستطع المرأة البحرينية في عصرها الذهبي اجتياز محطات عدة لإثبات وجودها في مواقع كثيرة وتمكنها من انتزاعها من براثن العقلية الذكورية المتسيدة ، فان الفرص التاريخية لا تتكرر دائما ، برغم إن الأحلام تحاول العبور نحو المستقبل وليس الحاضر وحده ، إذ يحمل المشروع الإصلاحي للمرأة ، وطبعا الرجل- الآمال العديدة بحياة أفضل.
الطريق طويل وطويل جدا أمام المرأة وشركائها في اختراق واقع إسمنتي تم بنائه عبر تاريخ طويل للغاية، وعليهن معرفة الأدوات الأنسب لهدم تلك الجدران العالية والعازلة والمخيفة، فقد تم سلبها وعيها ودورها وتم خلق ثقافة التجهيل والتقليل من قدراتها، وتم ربطها بدائرة ضيقة نسجت بصور قاتمة. من حق النساء في البحرين الدخول في عالم الفرح والانخراط في أنشطة متعددة تشعرها بوجودها الإنساني، وتمنحها كل المعاني النبيلة كأم وأخت وزوجة وابنة وصديقة وشريك متكافئ في الحياة والعمل، ففي تلك المعاني تتجسد الحقوق الكاملة المحسوسة في قوانيننا ومعيشتنا وحركتنا اليومية، فمجتمع دون نساء ، مجتمع رجولي معاق، يجعلنا نشعر بنقيصة حقيقية لغيابها ودورها، ومن حاولوا وضعها في قفص البيت وحده وكللوها بزهور سوداء!! هم من ذبحوها في وضح النهار ثم بكوا على قبرها يتحسرون، ففي وحدتهم الجافة والميتة شعروا عزلتهم وموتهم البطيء.
من منا ، نحن، الرجال يزايد على تلك الحقيقة ، فإنه يخفي علته ومرضه الاجتماعي والنفسي، ويمارسها بسوداوية تستحق العلاج. ما عشناه في يوم المرأة البحرينية من احتفالات وأنشطة كان ربيعا رائعا سننتظره كل عام ، بحيث يصبح أوسع واكبر وأجمل من كل عام ، فليس للغناء حدود وليس للجمال والخير وجه نقتله.
الأيام 8 ديسمبر 2008