لهذا اليوم وقع مؤثر على الذاكرة الوطنية البحرينية، فهو من جهة، أول تجربة برلمانية عرفتها البحرين منذ العام ,1973 أي قبل 35 سنة قضت، لتجربة عمرها عامان، ومن جهة أخرى، أن يكون هذا اليوم (السابع من ديسمبر/ كانون الأول) بعد حل المجلس الوطني في العام ,1975 يوماً للتضامن العالمي مع شعب البحرين بإقرار منظمة «الأفرو أسوي» آنذاك، فصار هذا اليوم عادة بحرينية احتفالية نضالية تتكرر كل عام.
إذاً، لم يكن ذلك اليوم يوماً عادياً بكل المقاييس.. حيث كانت البحرين مقبلة على مرحلة جديدة من التحولات النوعية، وهي خوض تجربة الانتخابات ومصطلحاتها التي تطرق آذاننا للمرة الأولى، وكلمة انتخابات مجلس وطني تعني للكثيرين مقدمة أولية لممارسة الديمقراطية التي طالما طالب بها شعبنا وقدم من أجلها التضحيات الجسام على مذبح الكفاح الوطني لسنوات سبقت ذلك اليوم التاريخي بكل تجلياته.
أخيراً، كنا على موعد مع هذه الانتخابات التي تخللها صراع فكري وسياسي بين فصيلين وطنيين، أو أكثر، في موضوع جدوى «المشاركة أو المقاطعة»، وكانت الأسئلة تدور بشأن محور: هل المشاركة «تمييع للصراع الطبقي، أم تأجيج له؟»، فيما جرى في تلك الأيام التحضيرية للسابع من ديسمبر نقاشات حادة وتداول كتب يسارية تدعو للمشاركة، وأخرى تناقضها، وكان «إنجيلهم» كتب لينين: «مرض اليسار الطفولي»، و«ما العمل؟»، وكتب أخرى ثورية تدعو إلى الكفاح المسلح تناقض التحولات السلمية للعمليات السياسية في العالم إلى آخره..
المشهد السياسي، في تلك الأيام التحضيرية لهذه الانتخابات، كان مشحوناً بإيمان عميق من كلا الطرفين المتناقضين للتوجه نحو الأفضل للناس، والكل يعمل بكل طاقاته الوطنية ضمن توجهات العمل السياسي وتقديم الوعي للناس بكل ما استطاع وفق مبدأ «ما من جهد ضائع».. والفرقاء كانوا يعملون وفق أجنداتهم الوطنية المخلصة لتفكيرهم السياسي آنذاك، وشاءت الظروف الذاتية والموضوعية أن تتكون «كتلة الشعب»، وهي وفق تعبير الدكتور عبد الهادي خلف «ظاهرة سياسية/ اجتماعية وكانت ابنة وقتها. فلقد أسقط ناخبوها فتاوى العمائم من الطائفتيْن، كما أفشلوا العراقيل التي وضعتها السلطة أمام مترشحيها»(1).
تشخيص أو رسول حول «كتلة الشعب» التي ذاع صوتها آنذاك، ومازال رنينها إلى يومنا هذا من أنها «ظاهرة سياسية/ اجتماعية، وكانت ابنة وقتها»، يبدو صحيحاً، فكان الناس المنتمون إلى التيارات السياسية وغير المنتمين، غير الناس الآن، فلا أحد يصدق أن المرحوم خالد الذوادي (يساري سني) يفوز في منطقة «شيعية»، ومحسن مرهون (شيعي يساري) يفوز في منطقة «سنية»، آنذاك كان وعي الناس مختلفاً، لا ينظرون للمترشح وفق خلفية قبلية أو طائفية أو عرقية، أو مالية، بل لسلوكه النضالي وتضحياته وشجاعة مواقفه وقدراته على توصيل همومهم والدفاع عنهم بنكران ذات، وأذكر طرفة صادفتني في إقناع «أغتم/ أبكم» من مشجعي كرة القدم عندنا في المنطقة، لترشيح خالد الذوادي بلغة الإشارات، وعندما شاهد «بوستر» الذوادي الذي كنت أحمله في يدي رفع «إبهامه» اليمنى بعلامة موافق، ثم سأل عن «بوستر» رسول الجشي في علامة أنه سيرشح الاثنين معاً، عندها قلت لأصحابي الذين أوكلوا لي هذه المهمة: إن هذا الأغتم «شيني/ شيعي وسني»، ومهمتي كانت سهلة معه، ويا ريت كل الناس مثله، رغم أنه أحنى سبابته عندما شاهد «بوستر خالد»، في إشارة إلى أنه «سني»، إلا أنه لم يبد ممانعة من ترشيحه مع الجشي.
ومع ذلك، ماذا لو أن التجربة التي مضى عليها الآن 35 عاماً استمرت من دون انقطاع، ومن دون حل لذلك المجلس إلى يومنا هذا؟ هل سيكون حالنا أفضل مما نحن فيه، أم العكس؟ ربما العكس، لكن الأكيد، أن الشعوب تتدرب على المشي من تجاربها، وتعطيل التجارب مشكلة كل المشكلات ليس في البحرين فحسب، بل في الوطن العربي من البحر إلى البحر.
صحيفة الوقت
7 ديسمبر 2008