مهما اعتمد المذهبيون السياسيون على الجحافل ومهما جاءت من الأرض أو من الفضاء، من الواقع أو من السحر، فإنهم لن يغيروا بوصة من الواقع. في زمن التدفق الثوري أو المحافظ ومهما جاء من عواصم متعددة، فهو مرهون بزمن النفط، ودخول الحكومات السياسية الشمولية، التي تتراجع في تمثيلها للجمهور أو في تحصيها لفواتير البترول. في زمن الصعود كانت العواطف المتأججة التي تحلم بالتغيير الكاسح، وتستند إلى معرفةٍ مبسطة بالحياة، وهذا كان مثل الموجات السابقة الدينية المحافظة والليبرالية المستوردة، والشيوعية، والقومية والبعث، تنشأ من قوة مركز سواءً كان في موسكو أو القاهرة أو بغداد أو دمشق، ثم يدخل المركزُ في أزمةِ الصرف المالي، كما هو الحال الآن في مراكز الصرف البترولي. والصرف المالي هو القضية الكبيرة فانتبهوا. وكانت البحرين الأولى الكبرى تمتدُ من البصرة حتى عُمان، ولو كانت الآن موجودة لحازت أكبر الآبار في الكرة الأرضية، ولكنه عدم المعرفة والتضحيات المجانية، فانكمشت البحرين الكبرى حتى صارت محارة صغيرة في الخليج. ولكن هل نسمح بذوبان البحرين الصغيرة في المياه المالحة؟ حتى لو حدثت عشر انتفاضات طائفية وألف مظاهرة مذهبية فلن تغير بوصة من الأرض. صراخٌ يذوب في المستحيل وكلام يتبخر وتبقى الأرض ممتنعة. عودوا إلى الوطن والإسلام الموحد ومحبة أهل البيت. لدينا بيتٌ صغيرٌ وصارت كلُ حجرة تتصارع مع الحجرة الأخرى. كان البحرينيون الوطنيون الفقراء البسطاء يواجهون اللواري البريطانية، ولن تعرف الدم المسكوب وقتذاك لمن يعود، وأي من يرفع راية مذهبية يُضرب بالحذاء، وكانت الامبراطورية البريطانية لا يغيب عنها الظلام، فكيف يستطيع الشعبُ الصغير أن ينتزع حريته ويحقق استقلاله لو كان وجودكم موجوداً؟ تراجعوا عن هذه المصايد المذهبية السياسية التي سجنتم فيها أنفسكم، عودوا إلى الوطن الواحد. استقيلوا من هذه الزنازين وعودوا للوطن الواحد والشعب الواحد ومحبة البيت. والبيت صار محارة صغيرة في الخليج تكاد أن تذوب من كثرة الأجانب والغرباء. كانت لنا إمبراطورية لا يغيب عنها الزيت. كانت البحرين امبراطورية فتقلصت واقتصرت على نقطة وعلى مجد قديم، والآن وزيتها قليل وناضب وأسعاره تتدهور، فأي مصير يتنظرنا؟ ليس لكم سوى العودة للوطن، منفيين كنتم خارجه وداخله، ففكوا الارتباط وعانقوا الأهل والوطن كله. المراكز تترنح اليوم أو غداً، والأهل في العراق فك أغلبهم الارتباط، وجعلوا المصلحة العراقية الوطنية فوق كل شيء. والقاعدة ليست أملاً، ولا مستقبلاً، ففي بضع سنين تتلاشى. الحشودُ تتدفق علينا من كل صوب، تذوبنا، وليس لنا سوى كلمتنا الوطنية ووحدتنا، ندافع بها عن رزقنا، وأرضنا، ولن تعرفك المراكز حين تقرر وحين تسقط وحين تتأزم. لم يبق من البحرين الكبرى سوى قارب صغير يجدف بأشرعة أوال. الماضي انتهى وتاريخ الثورات المذهبية التي تحولت إلى ثورات مضادة للشعوب انتهى، ويكاد. فجدفوا بالزورق صوب البحرين، صوب الوطن، وانسوا التواريخ الطائفية. نحن نكاد أن نتلاشى. نحن نكاد أن نفقد اللغة العربية. البحرين بمجدها العظيم الممتد في القرآن والتاريخ ذهبت بسبب المغامرات السياسية. نحن نغرق بالسيارات والتلوث والغرباء. والقوى مشغولة بالطوائف ومعاركها الوهمية، وتقدمُ رجالَ الدين المتخصصين في الفقه ليديروا الصراع حول البترول والأجور والمصانع، والتلوث والضرائب وهم لا يعرفون شيئاً من ذلك. يضيعون علينا عدة سنوات ثمينة حين كانت أسعار النفط مرتفعة ويزيدون الصراع الجانبي حين ينخفض النفط والمشكلة ليست فيهم، فهم نتاج موجة مذهبية، لم تتخصص في اقتصاد وبيئة وعلوم، وعندهم أن رجل الدين يعرف كلَ شيء ويفتي في كل شيء. وهم يُغرقون الزورق الأخير من قافلة البحرين الأولى والكبيرة التي غرفت من كل مذاهب التمرد. هذا لديه مجداف يقود لليمين. وهذا لديه مجداف يضربُ في اليسار. هذا يتوجه للضفة الشرقية. وذاك يتوجه للضفة الغربية. وينحرفون عن الجهة الأصلية، جهة البحرين، وأهلها، عن البحرين التي تذوب مثل قطعة سكر في الخليج. فلماذا لا تتوحد المجاديف؟ الحلوة التي خطفها قراصنة الشرق والغرب ومركبها يغرق. ارحمونا وتخلوا عن زنزاناتكم الطائفية. ارحمونا وتذكروا اننا نغرق في الأسعار والبطالة والعمالة الأجنبية السائدة والتجنيس والتخسيس الاقتصادي وازدحام المرور والتلوث وسلاحف الوزارات الحكومية. لكم تاريخكم الكبير في الوطن، به تعرفون، وبه تزدهرون، والمراكز الخارجية لا تعرفكم ثم تتغير كما تغيرت موسكو والقاهرة وبغداد ودمشق. إن العواصم لا تعرف سوى مصالحها. لا يختلف فريق الحورة عن فريق الحمام. كلاهما اتحدا في الفقر والبحر وحب الوطن. وصار كلاهما آثارا. بسيوف موحدة أزال البحرينيون الاستعمار البرتغالي، وبحجارة صغيرة طرد البحرينيون المتحدون الاستعمار البريطاني. وبدولة وطنية متوحدة نستطيع إقامة مجتمع يتجاوز بإمكانياته العلمية المنطقة الخليجية. ليس ثمة وقت والتأخير يعني التوحد بالشعوب المندثرة.
صحيفة اخبار الخليج
7 ديسمبر 2008